للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: ١٩٠]، وأخبر في بعض المواضع أنه سبحانه يكرهها ويسخطها، فقال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: ٣٨].

٣ - كما أن فِعْلَ المأمور مقصود لذاته، وتَرْكَ النهي مقصود لتكميل فِعْلِ المأمور، فهو منهي عنه لأجل كونه يُخِلُّ بفعل المأمور أو يُضْعِفه وينقصه، كما في نهيه تعالى عن الخمر والميسر بكونهما يصدان عن ذكر الله وعن الصلاة، فالمنهيات قواطع وموانع صادَّةٌ عن فعل المأمورات، أو عن كمالها.

٤ - أن العبادة التي لأجلها خُلِقَ الخلقُ هي تلك الأوامرُ، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦].

٥ - أنه لو تَرَكَ جميعَ المنهيات، ولم يأتِ بالإيمان والأعمال المأمور بها لم ينفعه ذلك التَرْكُ شيئًا وكان خالدًا في النار، ولو قال المدعو إلى الإيمان: لا أُصدق ولا أُكذب، ولا أُحب ولا أبغض، ولا أعبده ولا أعبد غيره كان كافرًا بمجرد الترك والإعراض، بخلاف ما لو آمن ثم ارتكب المنهيات بغلبة شهوته، أو ضعف عزيمته فلا يكون كافرًا.

وقد أجاب أصحاب هذا القول عن أدلة أصحاب القول الأول بما يَرُدُّ مذهبَهُمْ، ومن ذلك:

١ - أن الحديث المستَدَلَّ به على تقييد الأمر بالاستطاعة لا يدل على المدعى من اعتناء الشرع بترك المنهيات أكثر من عنايته بفعل المأمورات؛ وذلك لأن المطلوب هو الكفُّ، فلا يُتَصوَّرُ فيه عدمُ الاستطاعة، بخلاف الفعل؛ فإن العجز عن تعاطيه محسوس، فمن ثَمَّ جاء التقييد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي. (١)

٢ - كما أن ترك الأمر منهي عنه، واجتناب النهي مأمور به، وما ذكر من يسر تَرْكِ النهي


(١) فتح الباري، لابن حجر، (١٣/ ٢٦٢ - ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>