للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديار إذا كان عدم التزامه يرتب ضررًا فادحًا على الشخص أو الجماعة، أو يعرض الفرد أو الطائفة لما لا قبل لهم به من العقوبة والنكال، وذلك بشرط ألا يُفضي هذا إلى ارتكاب للمنكرات أو وقوع في المخالفات.

وفيما يلي بعض هذه الأمثلة:

- ما نصَّ عليه الحنابلة من منع المسلم الذي دخل أرض العدو بأمان أن يتزوج منهم؛ مراعاة لما ينجم عن هذا الزواج من مآل يتهدد نسل المسلمين، وهو الأمر الذي عبَّر عنه ابن قدامة بقوله: "لأنه لا يأمن من أن تأتي امرأته بولد فيستولي عليه الكفار، وربما نشأ بينهم فيصير على دينهم" (١).

فالحنابلة لم ينظروا إلى صورة الفعل فقط، وإنما نظروا -أيضًا- إلى نتيجته ومسببه؛ أي: على ضوء ذلك المآل الذي هو مفسدة غالبة، فحكموا على الفعل بالمنع، سواء أكان تحريمًا، أم كراهة.

وتخريجًا على هذا منع عدد من الفقهاء المعاصرين الزواج من أهل تلك الديار اختيارًا؛ للمفاسد المذكورة ولغيرها مما استجد في الوقت الراهن (٢) على أن نفس قاعدة المالآت أعملها بعض الفقهاء المعاصرين اليوم في الرد على من قال بحرمة نكاح من أقام بغير بلاد المسلمين ينوي الطلاق قبل مغادرة تلك البلاد؛ ذلك أن منعه من مثل هذا النكاح قد يؤول به إلى ارتكاب الحرام (٣).

وبهذه القاعدة أخذ من قال بحل التأمين التجاري على المؤسسات الإسلامية بديار الغرب، حيث يُفضي عدم إجراء هذا التأمين عليها إلى تعرضها إلى أخطار محدقة تنتهي إلى إضعاف وجودها أو زوالها من حياة الأقلية المسلمة التي تحتاج إليها في إقامة دينها (٤).


(١) المغني، لابن قدامة، (١٣/ ١٤٩).
(٢) آثار ابن باديس، طبعة الشئون الدينية، الجزائر، ط ١، ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٤ م، (٣/ ٣٠٩)، في فقه الأقليات المسلمة، د. يوسف القرضاوي، (ص ٩٩ - ١٠٠)، جريمة الزواج بغير المسلمات فقهًا وسياسة، أ. عبد المتعال الجابري، مكتبة وهبة، القاهرة، ط ٣، ١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م، (ص ١٠٣).
(٣) صناعة الفتوى، لابن بيه، (ص ١٣٢ - ١٣٣).
(٤) سيأتي مناقشة ذلك تفصيلًا -بمشيئة الله- في الفصل الثاني من الباب الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>