للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن القاعدة تشير إلى أهمية أن يرعى كلُّ راعٍ رعيته بنصحه، وطلب الخير لها، وتحقيق مصالحها العامة، وأن كل تصرف على خلاف هذه المصلحة مما يُقصد به استثمار، أو استبداد، أو يؤدي إلى ضرر أو فساد فهو غير جائز.

فالولاة والعمال والأمراء والقضاة والقادة وغيرهم ليسوا عمالًا لأنفسهم، إنما هم وكلاء عن الأمة في القيام بشئونها، فعليهم أن يراعوا خير التدابير؛ لإقامة العدل، وإزالة الظلم، وإحقاق الحق، وصيانة الأخلاق، وتطهير المجتمع من الفساد، ونشر العلم ومحاربة الجهل، والحرص على الأموال العامة، ورعايتها وإنفاقها فقط فيما يعود على الأمة بالخير والنفع، كما لا يجوز لهم أن يُحابُوا بها أحدًا دون أحد لجاه أو لسلطان أو لرغبة أو لطمع؛ لأنه لا يجوز للوالي أن يأخذ درهمًا من أموال الناس إلا بحق، كما لا يجوز له أن يضعه إِلَّا في يد مستحق.

وقد أخذ الشافعي -رحمه الله- هذه القاعدة من قول عمر -رضي الله عنه-: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إن استغنيتُ عنه استعففتُ، وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروف" (١).

وأيضًا ما ذكره القاضي أبو يوسف في "الخراج" حيث قال: "بعث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عمار بن ياسر على الصلاة والحرب، وبعث عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، وبعث عثمان بن حنيف على مساحة الأرضين، وجعل بينهم شاة كلَّ يوم، في بيت المال، شطرها وبطنها لعمار، وربعها لعبد الله بن مسعود وربعها الآخر لعثمان بن حنيف، وقال: إني أنزلت نفسي وإياكم من هذا المال بمنزلة ولي اليتيم، فإن الله تبارك


(١) أخرجه: ابن أبي شيبة في "مصنفه"، كتاب السير، باب: ما قالوا في عدالة الوالي وقسمه قليلًا كان أو كثيرًا، (١٢/ ٣٢٤) -ومن طريقه: البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (٩/ ٢٨٦) -، وابن جرير في "تفسيره" (٧/ ٥٨٢)، وسعيد بن منصور في "سننه" -كما في "تفسير ابن كثير" (٢/ ٢١٨) -. وصححَّ إسنادَه: الحافظُ ابن كثير، والحافظ ابن حجر في "الفتح"، (١٣/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>