للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخذه بأصوله، ويظهر جليًّا أن الإمام أحمد يعظم النصوص ويقدمها، ويثني بالعناية بأقاويل الصحابة وفتاويهم، وبها يفتي، فإذا اختلفوا تخيَّرَ من أقوالهم ما كان أقربها وأشبهها بالكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم.

وكان يأخذ بالضعيف الذي يسميه غيره بالحسن، ويقدمه على الرأي والقياس، وكان يرى القياسَ آخرَ هذه الأصول رتبةً؛ فلا يصير إليه إلَّا إذا لم يجد في الباب نصًّا، ولا قولًا لصاحب، ولا أثرًا مرسلًا، ولا أثرًا ضعيفًا، فهذا عنده موضع ضرورة إذن (١).

وكثيرًا ما ظهر في فقه مدرسته أثرُ الاستصحاب في الأحكام، وجاء مذهبه ثانيًا بعد مذهب المالكية في العمل بالاستصلاح (٢).

وظهر العمل بسد الذرائع جليًّا في فتاوي الإمام؛ فحرم العينة والبيوع التي يتوصل بها إلى الحرام؛ فلا يصح بيع العنب لمن يعصره خمرًا، ولا يصح بيع الدار لمن يستعملها استعمالًا غير شرعي، وقال عن نفسه: "وأنا أنظر في الحديث فإذا رأيت ما هو أقوى وأحسن أخذت به وتركت الأول" (٣).

وإذا كان المذهب ظاهرًا مشهورًا بحيث اختاره جمهور الأصحاب واعتمدوا نقله والانتصار له حتى قلَّ ذِكْرُ الرواية الثانية -فهذا لا إشكال في أنه المذهب، وإن وُجِدَ من الأصحاب من يدعي أن المذهب غيره.

وإذا كانت الروايتان بمستوى واحد أو متقارب في الظهور بحيث وقع الخلاف في ترجيح إحداها على الأخرى بين الأصحاب وتقاربت الأدلة في القوة -فإن معرفة المذهب الصحيح في هذه الحالة تكون على مراتب:


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم، (١/ ٣٠ - ٣٢).
(٢) أسباب اختلاف الفقهاء، لعلي الخفيف، دار الفكر العربي، القاهرة، ط ٢، ١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م، (ص ٢٦٩).
(٣) الإنصاف، للمرداوي، (١/ ٩)، شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (٤/ ٤٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>