للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعة من دينه، وسداد في أمره.

كما أنها اعتمدت ما اشتهر من أقوال هؤلاء وتَرَجَّحَ، غير أنها ذكرت جواز العمل بغير الراجح وبغير المشهور منها؛ لضرورة أو حاجة تنزل منزلتها بضوابط معلومة، منها: عروض مصلحة تُستجلب، أو مفسدة تُستدفع، أو إحراز رفق بالعباد، أو تحقيق تيسير على الناس، وقد ذكر السبكي في فتاويه أنه يجوز تقليد الوجه الضعيف في نفس الأمر بالنسبة للعمل في حق نفسه، لا الفتوى والحكم، فقد نقل ابن الصلاح الإجماع على أنه لا يجوز (١).

وعند المالكية اشترطوا ألَّا يكون القول ضعيفًا جدًّا، وأن تثبت نسبته إلى قائل يُقْتَدَى به علمًا وورعًا، وأن تكون الضرورة محققةً، لا متوهمةً (٢).

وقد نقل ابن عابدين جواز العمل بالقول الضعيف للمصلحة، وفي موضع ضرورة طلبًا للتيسير، وقال: "وبه عُلِمَ أن المضطر له العمل بذلك لنفسه كما قلنا، وأن المفتي له الإفتاء به للمضطر، وينبغي أن يلحق بالضرورة -أيضًا- ما قدمناه من أنه لا يُفْتَى بكفر مسلم في كفره اختلافٌ، ولو رواية ضعيفة؛ فقد عدلوا عن الإفتاء بالصحيح؛ لأن الكفر شيء عظيم" (٣).

وقد حقَّق بعض الباحثين جواز العمل بالمرجوح والأخذ به عند الضرورة والحاجة التي تنزل منزلتها؛ وذلك لدفع مفسدة تعتبر شرعًا، لا لجلب مصلحة؛ استنادًا إلى أن الضرورات تبيح المحظورات، وجواز ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما قال القرافي -رحمه الله-: "إذا رأينا من فعل شيئًا مختلفًا في تحريمه وتحليله، وهو يعتقد تحريمه


(١) فتاوي السبكي، لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، دار المعرفة، بيروت، (٢/ ١٢)، نهاية المحتاج، للرملي، (١/ ٤٧).
(٢) حاشية الدسوقي على الدردير، (٤/ ١٣٠)، نشر البنود، لعبد الله الشنقيطي، (٢/ ٢٧٥ - ٢٧٦).
(٣) شرح عقود رسم المفتي، لابن عابدين، (١/ ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>