كالتجارة والصناعة وفي الأعراف الاجتماعية والتقاليد.
ولعل الاجتهاد في العصر الحاضر ألزم من عصور مضت؛ وذلك لكثرة النوازل، وتعقُّد المسائل، وتطور الحياة بشكل سريع، وللبعد عن أجواء الانضباط بالشريعة، وقيام تحدي الأنظمة الوضعية.
سد حاجة المسلمين لمعرفة حكم الله في النوازل:
إن عناية الفقيه المجتهد مصروفة بلا شك إلى إدراك الحكم الشرعي لأفعال المكلفين، سواء تعلقت هذه الأفعال بعبادات محضة كالصلاة والحج، أم تعلقت بالعقود والمعاوضات أو النكاح والطلاق، أو ما له تعلُّق بالسياسة الشرعية والقضاء.
فمن الطبيعي إذن أن يلجأ المسلمون إلى علمائهم المفتين لاستجلاء أحكام الدين في كل ما يتعلق بالحياة وأفعال الأحياء، وهذه الأحكام قد تختلف باختلاف القيم الاجتماعية السائدة والأعراف، وفقيه النوازل يحتاج إلى إدراك هذه المتغيرات جميعًا، حتى يكون لسان صدق يعبر عن قدرة الفقه الإسلامي على مواكبة هذه المتغيرات في الحياة الاجتماعية، فمجتمعات الحضارة المتقدمة، تختلف -ولا بد- عن مجتمعات البداوة، وهو مطالب بأن يراعي ظروف الزمان والمكان في كل حال.
وأما تلك النوازل من كل وجه، والمستجدة مطلقًا، فليس للمسلمين بد من أن يفيئوا إلى فقهاء النوازل المجتهدين ليصدروا عن قولهم ويأخذوا بحكمهم؛ استجابة لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٤٣].
وكثير من أبناء المسلمين تشتد حاجتهم اليوم -وهم يدرسون في تخصصات علمية متعددة، كالطب والهندسة والاقتصاد والسياسة والزراعة وغير ذلك- إلى بيان أحكام ما نزل واستجد مما له تعلق بدراستهم من جهة، وواقع الحياة من جهة أخرى؛ وفي هذا عصمة لهم من التناقض أو الانفصام بين العلم الشرعي والتجريبي.