للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللقياس أركان، ولكلِّ ركنٍ أحكامٌ وشروط تُمَثِّلُ بالجملة شروط صحة القياس الذي يعتبر لاستنباط الأحكام، ويُرْجَعُ إليه في إدراك الواجب في الوقائع المختلفة.

ومن غير شك فإن القياس هو مظهر من مظاهر إحكام الشريعة وكمالها، وهو برهان صلوحيتها وسعتها؛ فإن النصوص تتناهى وليست كذلك الوقائع والحوادث؛ "فلا سبيل لإعطاء الحوادث والمعاملات الجديدة منازلها وأحكامها في فقه الشريعة إلا عن طريق الاجتهاد بالرأي الذي رأسه القياس؛ فالقياس أغزر المصادر الفقهية في إثبات الأحكام الفرعية للحوادث" (١).

وعليه فإن الناظر في أحكام النوازل لا يتأتَّى له بحثٌ ولا استدلال إلَّا بعد العلم بالقياس ولا بدَّ، والمعول في إدراك أحكام النوازل عليه هو القياس.

وعلى المفتي أن يُطَوِّلَ البحث في درك النصوص أولًا، ثم التعرف على علل الأحكام ثانيًا؛ إذ العلة هي ركن القياس الأكبر، وعليها مداره واعتماده، ومباحثها من أدقِّ مباحث علم الأصول وأصعبها.

والأحكام المعللة بوصف ظاهر منضبط يشرع الحكم عند وجوده يمكن قياس نظائرها عليها، وتلك العلل قد تكون ثابتة لا تَغَيُّرَ فيها كعلة السُّكر لإثبات حد الخمر، وعلة الإيلاج في فرج محرَّم لإثبات حد الزنا، وقد تكون العلة قابلة للتغير بتغير الأعراف أو المصلحة، وعلى المجتهد أن يتتبع تلك العلل، وأن يعرف أيها يؤثر في جلب الحكم (٢).

وقد يظهر بجلاء أن علَّة الحكم مرتبطة بمصلحة ما فإذا زالت فلا ينبغي أن يبقى للحكم وجود؛ ولذا رأينا عمر -رضي الله عنه- يقول -بعد أن جمع الصحابة على إمام في التراويح-: "نِعْمَ


(١) المدخل الفقهي العام، للزرقا، (١/ ٧٩ - ٨٠).
(٢) الحكم الشرعي بين العقل والنقل، د. الصادق الغرياني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ١٩٨٩ م، (ص ١٣٦)، أصول الفقه، لأبي زهرة، (ص ٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>