ثم إنه بعد الحرب العالمية الثانية، عاودت حقوق الأقليات للظهور ولفت الأنظار إليها في منظمة الأمم المتحدة، باعتبار أنها تابعة لحقوق الإنسان بصفة عامة. فاعتمدت حقوق الأقليات على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة (١٩٤٨ م)، كما اعتمدت على القرارات الصادرة من اللجنة الفرعية لمقاومة الإجراءات التمييزية والقيام على حماية الأقليات، هذه اللجنة التي تأسست (١٩٤٧ م) داخل هياكل لجنة حقوق الإنسان.
لقد كان لقراراتها أثر محمود على النطاق العالمي، فاستلهمتها بعض الدول فيما يخص تعاملها مع الأقليات، وأمكن بفضل اعتمادها حل بعض المشاكل التي ظهرت داخل حدودها.
ولكن تلكم القرارت تبدو غير كافية؛ لأنها لم تُتْبع بآلية تفرض احترامها وتنفيذها.
كما أنه عند التطبيق يلاحظ أن الإدانات التي تدين بها الأمم المتحدة دولة من الدول لعدم احترامها لحقوق الأقليات تكون مرتبطة في كثير من الأحوال بخلفية سياسية ومصالح، وهذا ما أضعف تأثيرها لدى الرأي العام.
ثم إن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان سار خطوة إلى الأمام؛ وذلك لتضمنه تمكين الأفراد المنتسبين للأقليات داخل أوطانهم الأوروبية إذا انتهكت حقوقهم، بعد القيام بالإجراءات القانونية في أوطانهم، من رفع قضاياهم إلى المجلس الأوروبي لينصفهم، ويحمي هويتهم حماية ينقذها من مخالب التذويب. ولكن هذه التنظيمات داخل المجلس الأوروبي متوقفة على إجراءات معقدة ومكلفة مما يحد من فاعليتها.
هذه صورة مختصرة عن تطور مبدأ حقوق الأقليات في القرنين الأخيرين.
ويتجلى من تتبع هذا الواقع أنه يتجاذبه طرفان:
أولهما: قيام رجال مؤمنين بالكرامة الإنسانية يبرزون مقتضياتها ويدافعون عنها ويشرحون تفصيلاتها، ويقدمون للمجتمع الدولي في مؤسساته الصورة المثلى التي ينبغي أن تكون عليها العلاقات البشرية، ومعاملة الإنسان كإنسان من السلطة التي تحكم المتساكنين في الوطن الواحد.