للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بالغ ابن القيم في التحذير من إهمال العرف عند الفتيا، فقال: "فإياك أن تهمل قصد المتكلم ونيته وعُرْفه فتجني عليه وعلى الشريعة، وتنسب إليها ما هي بريئة منه، وتُلزم الحالف والمقر والناذر والعاقد ما لم يُلزمه الله ورسوله به" (١).

ويقول الإمام القرافي: "إن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت وتبطل معها إذا بطلت، كالنقود في المعاملات، والعيوب في الأعراض، ونحو ذلك، فلو تغيرت العادة في النقد والسكَّة إلى سكَّة أخرى يحمل الثمن في البيع على السكَّة التي تجددت العادة بها، دون ما قبلها، وعلى هذا القانون تراعى الفتاوي على طول الأيام، فمهما تجدد العرف فاعتبِرْهُ، ومهما سقط فأسقطْه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاء رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تُجْرِه على عرف بلدك، واسأل عن عرف بلده وأجْرِهِ عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين" (٢).

ويقول -رحمه الله- في مكان آخر: "إن إجراء هذه الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة، إلى ما تقتضيه العادة المتجددة" ثم شرع يفصل: "أَلا ترى أنهم لما جعلوا أن المعاملات إذا أُطلق فيها الثمن يُحمل على غالب النقود، فإذا كانت العادة نقدًا معيَّنًا حملنا الإطلاق عليه، فإذا انتقلت العادة إلى غيره عيَّنا ما انتقلت العادة إليه وألغينا الأول لانتقال العادة منه" (٣).

وقد سبق التنبيه على أن عبارة: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان" في لفظها وصياغتها قدرٌ من التساهل؛ لذلك لا يصح حملها على ظاهر ألفاظها، فإن الذي يتغير


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٣/ ٥٣ - ٥٤).
(٢) الفروق، للقرافي، (١/ ٣١٤) باختصار.
(٣) الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام، للقرافي، (ص ٢١٨ - ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>