وأن كلا القولين يفتح باب السعة بالجمع؛ للحاجة الطارئة والمشقة غير العادية؛ إعمالًا لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي عَلَّلَ فيه الجَمْعَ برفع الحرج عن الأمة.
وإنما يدقُّ الأمر حين يقال: هل يسوغُ أن يتخذَ الإنسان ذلك الجمعَ عادةً له ما دام عذرُهُ قائمًا بضيقِ وقتِ ما بين الظهر والعصر، أو تباعُدِ ما بين المغرب والعشاء، وتأخُّرِ العشاء إلى منتصف الليل، مع ما يحتاج إليه المسلم من الاستيقاظ مبكرًا لأداء صلاة الفجر، وممارسة عمله اليومي.
والذي يظهر أنه لا يجوز اتخاذُ ذلك عادةً، ولا استدامَةُ الجَمْعِ مُدَّةَ شهورِ الصيف، أو الشتاء بإطلاقٍ؛ وذلك لاعتبارات، منها:
- أن هذا الحديث لا يقول به أكثر الفقهاء، ولا يعملون به، كما قاله الخطابي (١).
- أن تطبيقه في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو حياة الصحابة كان في مَرَّةٍ أو نحوِهَا، ولم يُعْرَفِ اطِّرادُهُ في حياة السلف، مع كثرة ما عَرَضَ لهم من حاجات.
- أن من أباحه اشترط ألَّا يكونَ عادةً، والعادة ما يعود ويتكرر، وما نحن فيه وضع ثابت متكرر -ولا شك- كلَّ عامٍ في أشهر الصيف والشتاء، وهو ما يدخل في بضعة أشهر.
وعليه: فإن كان قول من قال بالجواز على ألَّا يُتَّخَذَ عادةً يعني به مرةً أو نحوَها؛ لحاجةٍ طرأت، أو مشقَّةٍ غير عادية حصلت، بخلاف تَقَارُبِ الوقتِ، أو تباعُدِهِ -فالأمرُ يسيرٌ.
وأخيرًا، فإن الراجح قولُ جماهير أهل العلم سلفًا وخلفًا من وجوب التزام الصلاة في مواقيتها الشرعية، متى تميَّزَتْ علاماتها الشرعية وتحدَّدَتْ. وللترخيص بحديث ابن عباس مجالٌ حيث طرأتْ حاجهٌ أو مشقَّةٌ غيرُ عاديةٍ.
وعلى المسلم في بلاد الأقليات أن يحفظَ صلواتِهِ، وأن يجاهد ويصابر في المرابطة على أدائها في أوقاتها، والله تعالى وليُّ الصالحين.