للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاحش؛ لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي، أو يأخذ، فقد يدفع قسطًا، أو قسطين، ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة أصلًا، فيدفع جميع الأقساط، ولا يأخذ شيئًا، وكذلك المؤمَّن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن بيع الغرر (١).

الثاني: عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة؛ لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيه، ومن الغُنم بلا مقابل أو بمقابل غير مكافئ فإن المستأمن قد يدفع قسطًا من التأمين، ثم يقع الحادث، فيغرم المؤمِّن كلَّ مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر، ومع ذلك يغنم المؤمِّن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارًا، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٩٠]، والآية بعدها.

الثالث: عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنساء، فإن الشركة إذا دفعت للمستأمِن، أو لورثته، أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها، فهو ربا فضل، والمؤمِّن يدفع ذلك للمستأمِن بعد مدة، فيكون ربا نساء، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء فقط، وكلاهما محرم بالنص والإجماع.

الرابع: عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم؛ لأن كلًّا منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلَّا ما فيه نصرة للإسلام، وظهور لأعلامه بالحجة والسنان، وقد حصر النبي - صلى الله عليه وسلم - رخصة الرهان بعوض في ثلاثة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا سبق إلا في خُفٍّ، أو حافرٍ، أو نصلٍ" (٢) وليس التأمين من ذلك، ولا شبيهًا به فكان محرمًا.


(١) أخرجه: مسلم، كتاب البيوع، باب: بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، (١٥١٣)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>