وما أثر الإقامة بدار الحرب أو الكفر على هذا الزواج، وما يترتب عليه من قوامة على الزوجة، وولاية على الأولاد، ومسئولية عنهم في الدنيا والآخرة؟
وهذه المسألة على هذا النحو -كما تتناولها آيات وأحاديث في بيان حكمها -قد تعلقت بها اجتهادات فقهية من لدن الصحابة فمن بعدهم ضِمْنَ إطار من الدراسة الواقعية، ونظر في الأعراف الجارية، وتأمُّل في قواعد أصولية وفقهية ومقاصدية تتعلق بالحاجة أحيانًا وبالضرورة أحيانًا أخرى، وتتصل بمآلات الأفعال ونتائج التصرفات من جهة ثالثة.
ومعلوم أن فقه مسائل النكاح والطلاق في بلاد الأقليات مما له تعلق بالولايات، وإذا كان المسلم يعيش في مجتمعات لا تحكم بالإسلام فلا بد أن يكون في مجتمع الأقليات المصغر هذا الاحتكام، وهذا الخضوع للشرع؛ الذي لا بد منه لتنضبط أمور الأسرة وفقَ فقه دقيق وفهم عميق، ونظر مجرِّب، وعلم ببواطن الأمور.
ولقد فرَّق بعض الأئمة المحققين بين فقه الشيء وعلمه؛ فقال الونشريسي في كتابه الولايات:"الفرْق بين علم القضاء وفقه القضاء فرْق ما بين الأخص والأعم؛ ففقه القضاء أعم؛ لأنه الفقه في الأحكام الكلية، وعلم القضاء: هو العلم بتلك الأحكام الكلية مع العلم بكيفية تنزيلها على النوازل الواقعة، وهو الفرْق أيضًا بين علم الفتيا وفقه الفتيا؛ ففقه الفتيا: هو العلم بالأحكام الكلية، وعلمها: هو العلم بتلك الأحكام مع تنزيلها على النوازل"(١).
ولا شك أن هناك خللًا لا تخطئه عين متأمل في باب الفتيا في النوازل الأسرية ببلاد الأقليات الإسلامية وهو ما يستوجب بحثًا متأنيًا في هذه النازلة التي تمثل بابًا للدخول إلى نوازل أخرى أكبر وأخطر.
(١) كتاب الولايات ومناصب الحكومة الإسلامية والخطط الشرعية، لأحمد بن يحيى الونشريسي، تعليق: محمد الأمين بلغيث، مطبعة لافوميك، الجزائر، (ص ٤٥).