للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١)} [سبأ/ ٤٠ - ٤١] فهؤلاء عُبَّاد الجنّ وأولياء الشيطان (١).

وأكثرهم يعلم ذلك ويرضى به لما ينال به من المتعة بمعبوده. وكثير منهم ملبوس عليه، فهو يعبد الشيطان ولا يشعر. وقد أشار زيد بن عمرو ابن نفيل في شعره إلى هذا الشرك بالجنّ فقال:

حنانَيك إنَّ الجنّ كانت رجاءَهم ... وأنتَ إلهي ربَّنا ورجائيا (٢)

ولهذا يقولون في القيامة: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعام/ ١٢٨] قال اللَّه تعالى: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأنعام/ ١٢٨] فهذا خطاب للصنفين، وهو صريح في اشتراكهم في التكليف، كما هو صريح في اشتراكهم في العذاب. وهذا كثير (٣) في القرآن.

وممَّا يدلّ على تكليفهم أيضًا قوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} (٤) [الأنعام/ ١٣٠]. فلمَّا اعترفوا بأنهم كانوا كافرين، وشهدوا على أنفسهم بالكفر، دلَّ ذلك على تكليفهم وتوجّه الخطاب إليهم.


(١) "ف": "الشياطين"، خلاف الأصل. وكذا في "ك، ط".
(٢) "ك، ط": "رجاؤنا"، وهو تحريف. والبيت لزيد في السيرة (١/ ٢٢٧) ولورقة ابن نوفل في الأغاني (٣/ ١١٩). وفي السيرة: "الحن" بالمهملة.
(٣) "ط": "وهو كثير".
(٤) اختصرت الآية في "ك، ط".