للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجرمون منهم بسيماهم فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم (١). ثمَّ ذكر عقاب الصنفين وثوابهم. وهذا كلّه صريح في أنَّهم هم المكلّفون المأمورون المنهيّون المثابون المعاقبون.

وفي الترمذي من حديث محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: "لقد قرأتها على الجنّ ليلة الجنّ فكانوا (٢) أحسن مردودًا منكم، كنتُ كلَّما أتيتُ على قوله (٣) {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢)} قالوا: لا شيء من نعمك ربَّنا نكذّب، فلك الحمد" (٤). وهذا يدل على ذكائهم وفطنتهم ومعرفتهم بمواقع (٥) الخطاب، وعلمهم أنَّهم مقصودون به.

وقوله في هذه السورة: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (٣١)} وعيد للصنفين المكلّفين بالشرائع. قال قتادة: معناه فراغ الدنيا وانقضاؤها، ومجيء الآخرة والجزاء فيها، واللَّه تعالى لا يشغله شيءٌ عن شيء (٦). والفراغ في اللغة يكون (٧) على وجهين: فراغ من الشغل، وفراغ بمعنى القصد (٨). وهو في هذا الموضع بالمعنى الثاني، وهو


(١) "ك، ط": "والأقدام".
(٢) "ك، ط": "وكانوا".
(٣) "ك، ط": "آية".
(٤) تقدّم تخريجه في ص (٩٠٩).
(٥) "ط": "بمؤنة"، تحريف.
(٦) لفظ قتادة في تفسير الطبري (٢٧/ ١٣٦): "دنا من اللَّه فراغ لخلقه".
(٧) "يكون" ساقط من "ط".
(٨) معاني القرآن للزجاج (٥/ ٩٩).