للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محض التكليف.

وقد تقدَّم قوله تعالى حكاية عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)} (١) [الجن/ ١٤ - ١٥].

وقد صحَّ أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ عليهم القرآن، وأنَّهم سألوه الزاد لهم ولدوابّهم، فجعل لهم كلَّ عظم ذُكِرَ اسمُ اللَّه عليه، وكلُّ بعرة علفٌ لدوابّهم. ونهانا عن الاستنجاء بهما (٢).

ولو لم يكن في هذا إلا قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء/ ١٥] -وقد أخبر أنَّه يعذّب كفرةَ الجنّ- لكفى به حجةً على أنَّهم مكلَّفون باتباع الرسل.

وممَّا يدلّ على أنَّهم مأمورون منهيُّون بشريعة الإسلام ما تضمّنته سورة الرحمن. فإنَّه سبحانه ذكر خلق النوعين في قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥)}. ثمَّ خاطب النوعين بالخطاب المتضمّن لاستدعاءِ الإيمان منهم، وإنكار تكذيبهم بالآية، وترغيبهم في وعده، وتخويفهم من وعيده، وتهديدهم بقوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (٣١)}، وتخويفهم من عواقب ذنوبهم، وأنَّه لعلمه بها لا يحتاج أن يسألهم عنها سؤال استعلام، بل يعرف


(١) اختصر في نقل الآية في "ك، ط".
(٢) كما في حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أخرجه البخاري في مناقب الأنصار (٣٨٦٠) وغيره؛ وحديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه، أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (٤٥٠).