وقد يقال: الراجح هو الأوَّل، وأنَّ المعنى: خاف مقامه بين يدي ربّه، لوجوه:
أحدها: أنَّ طريقة القرآن في التخويف أن يخوّفهم باللَّه وباليوم الآخر، فإذا خوّفهم به علَّق الخوفَ به، لا بقيامه عليهم، كقوله تعالى:{فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ}[آل عمران/ ١٧٥] وقوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}[البينة/ ٨] وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}[النحل/ ٥٠] وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢)} [الملك/ ١٢]. ففي هذا كلّه لم يذكر خشية مقامه عليهم، وإنَّما مدحهم بخوفه وخشيته. وقد يذكر الخوف متعلِّقًا بعذابه، كقوله تعالى:{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء/ ٥٧]. وأمَّا خوف مقامه عليهم، فهو وإن كان كذلك، فليس طريقة القرآن.
الثاني: أنَّ هذا نظير قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ}[الأنعام/ ٥١]. فخوفهم أن يحشروا إليه هو خوفهم من مقامهم بين يديه، والقرآن يفسّر بعضه بعضًا.
الثالث: أنَّ خوف مقام العبد بين يدي ربّه تعالى في الآخرة لا يكون إلا ممن يؤمن بلقائه وباليوم الآخر والبعث (١) بعد الموت. وهذا هو الذي يستحقّ الجنَّتين المذكورتين، فإنَّه لا يؤمن بذلك حق الإيمان إلا من آمن بالرسل، وهو من الإيمان بالغيب الذي جاءَت به الرسل. وأمَّا مقام اللَّه على عبده في الدنيا واطلاعه عليه وقدرته عليه، فهذا يُقرّ به المؤمن والكافر والبرّ والفاجر. وأكثر الكفار يخافون جزاءَ اللَّه