للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوجود المال في يد الفقير لا يقدح في فقره، إنّما يقدح في فقره رؤيته لملكته. فمن عوفي من رؤية الملكة لم يتلوّث باطنه بأوساخ المال وتعبه وتدبيره واختياره (١)، وكان كالخازن لسيّده الذي ينفّذ أوامره في ماله، فهذا لو كان بيده من المال مثل (٢) جبال الدنيا لم يضرّه.

ومن لم يُعافَ من ذلك ادّعت نفسه الملكة، فتعلّقت (٣) به النفس تعلّقها بالشيء المحبوب المعشوق، فهو أكبر همّه ومبلغ علمه، إن أعطي رضي، وإن مُنع سخط. فهو عبد الدينار والدرهم، يصبح مهمومًا به (٤)، ويمسي كذلك، فيبيت (٥) مضاجعًا له. تفرح نفسه إذا ازداد، وتحزن وتأسف إذا فات منه شيء، بل يكاد يتلف إذا توهمتْ نفسه الفقر، وقد يؤثر الموت على الفقر.

والأول مستغنٍ بمولاه المالك الحيّ (٦) الذي بيده خزائن السموات والأرض، وإذا أصاب المالَ الذي في يده نائبةٌ رأى أنّ المالك الحق هو الذي أصاب مال نفسه، فما للعبد وما للجزع والهلع؟ وإنّما تصرّفَ مالكُ المال في ملكه الذي هو وديعة في يد مملوكه، فله الحكم في ماله: إن شاءَ أبقاه، وإن شاءَ ذهب به وأفناه، فلا يتّهم مولاه في تصرّفه في ملكه، ويرى تدبيره هو موجب الحكمة. فليس لقلبه بالمال تعلّق،


(١) في الأصل نقط الخاء وأهمل الباقي. وفي "ن" نقط التاء، وقرأها ناسخ "ف": "واحتيازه". والمثبت من "ك، ط".
(٢) "ك، ط": "أمثال".
(٣) "ك، ط": "وتعلقت".
(٤) "به" ساقط من "ن، ك، ط".
(٥) "ك، ط": "يبيت".
(٦) "ك، ط": "الحق".