للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاقات (١) أهل القلوب والأرواح لذهل عن النظر إلى نفسه بالترك والزهد (٢). فصاحب هذه الدرجة معافى من هذه الأمراض كلّها: من مرض الضبط، والطلب، والذم، والمدح، والترك. فهي بأسرها، وإن كان بعضها ممدوحًا في العلم مقصودًا يستحق المتحقق به الثواب والمدح، لكنَّها آثار وأشكال مشعرة بأنَّ صاحبها لم يذُقْ حال الخلوّ والتجريد الباطن، فضلًا عن أن يتحقق بشيءٍ (٣) من الحقائق المتوقعة المتنافس فيها.

فصاحب هذه الدرجة متوسط بين درجتي الداخل (٤) بكليته في الدنيا قد ركن إليها، واطمأنَّ إليها، واتخذها وطنًا، وجعلها له سكنًا؛ وبين من نفضها بالكلية من قلبه ولسانه، وتخلص من قيودها ورعوناتها (٥) وآثارها، وارتقى إلى ما يسبي (٦) القلبَ ويُحييه ويُفرحه ويُبهجه من جذَبات العزَّة (٧). فهو في البرزخ كالحامل المقْرِب، ينتظر ولادة الروح والقلب صباحًا ومساءً، فإن من لم تولد روحه وقلبه، ويخرجْ من مشيمة نفسه، ويتخلّصْ من ظلمات طبعه وهواه وإراداته (٨)، فهو كالجنين في بطن أمه الذي لم ير الدنيا وما فيها. فهكذا هذا الذي


(١) "ط": "مذاقات"، تحريف.
(٢) "ك، ط": "بالزهد والترك".
(٣) "بشيء" "ساقط من "ك، ط".
(٤) "ف": "درجتين الداخل"، أخطأ في القراءة.
(٥) "ط": "رعونتها".
(٦) "ط": "يسر"، تحريف.
(٧) "ف": "حدثات الغرة"، تصحيف.
(٨) "ك، ط": "إرادته".