للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والباطل، ورُزِقَ مع ذلك اطلاعًا على أسباب الخطا، وتفرق الطرق، ومثار الغلط، فكان (١) له بصيرة في الحقِّ والباطل. وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم.

وباب هذه المعرفة والتعبد هو معرفة إحاطة الرب تبارك وتعالى بالعالم وعظمته، وأنَّ العوالم كلها في قبضته، وأنَّ السماوات السبع والأرضين السبع في يده كخردلة في يد العبد (٢)، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء/ ٦٠]، وقال: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠)} [البروج/ ٢٠]

ولهذا يقرن سبحانه بين هذين الاسمين الدالّين على هذين المعنيين: اسم العلوّ الدالّ على أنَّهُ الظاهر وأنَّهُ لا شيء فوقه، واسم العظمة الدالّ على الإحاطة وأنَّهُ لا شيء دونه، كما قال تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)} [البقرة/ ٢٥٥، الشورى/ ٤]، وقال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)} [سبأ/ ٢٣]، وقال: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)} [البقرة/ ١١٥] (٣).

وهو تبارك وتعالى كما أنَّه العالي على خلقه بذاته فليس فوقه شيء، فهو الباطن بذاته فليس دونه شيء، بل ظهرَ على كلِّ شيء وكان (٤) فوقه،


(١) "ط": "وكان".
(٢) يشير إلى قول ابن عباس: "ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهما في يد اللَّه إلا كخردلة في يد أحدكم" وقد أخرجه الطبري في في تفسيره (٢٠/ ٢٤٦).
(٣) وانظر الصواعق: (١٣٦٥).
(٤) "ك": "وهو فوقه". "ن": "فكان"، وكذا في "ط".