للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ تعبَّدْ له باسمه "الآخر" بأن تجعله وحده غايتك التي لا غاية لك سواه، ولا مطلوب لك وراءَه. فكما انتهت إليه الأواخر، وكان بعدَ كل آخِر، فكذلك اجعل نهايتك إليه، فإنَّ إلى ربِّك المنتهى، إليه انتهت الأسباب والغايات، فليس وراءه مرمى ينتهى إليه. وقد تقدم التنبيه على ذلك وعلى التعبد باسمه "الظاهر".

وأمَّا التعبد باسمه "الباطن" فإذا شهدتَ إحاطته بالعوالم، وقربَ البعيد (١) منه، وظهورَ البواطن له، وبدوَّ السرائر له (٢)، وأنَّه لا شيء بينه وبينها، فعامِلْه بمقتضى هذا الشهود، وطهِّر له سريرتك، فإنَّها عنده علانية؛ وأصلحْ له غيبَك، فإنَّه عنده شهادة؛ وزكِّ له باطنك، فإنَّه عنده ظاهر.

فانظر كيف كانت هذه الأسماء الأربعةُ جمَاعَ المعرفة باللَّه، وجماع العبودية له. فهنا وقفَتْ شهادةُ العبدِ مع فضَل خالقه ومنته، فلَا يرى لغيره شيئًا إلا به وبحوله وقوَّته؛ وغاب بفضل مولاه الحق عن جميع ما منه هو ممَّا كان يستند إليه، أو يتحلَّى به، أو يتخذه عُقدة (٣)، أو يراه ليوم فاقته، أو يعتمد عليه في مهمَّة من مهمَّاته. فكلُّ ذلك من قصورِ نظرِه وانعكاسِه عن الحقائق والأصول إلى الأسباب والفروع، كما هو شأن الطبيعة والهوى، وموجَب الظلم والجهل، والإنسان ظلومٌ جهول.

فمن جلَّى اللَّه سبحانه صدأَ بصيرته، وكمَّل فطرته، وأوقفه على مبادئ الأمور وغاياتها ومناطها ومصادرها ومواردها، أصبح


(١) "ك، ط": "العبيد".
(٢) "له" ساقط من "ك، ط".
(٣) "ف": "عقده"، وكذا في "ط". وفي "ك": "عمده". ولعلَّ الصواب ما أثبتنا، والعقدة هي المال الذي يقتنيه المرء.