للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كالمفلس (١) حقًّا من علومه وأعماله وأحواله وأذواقه. يقول: أستغفر اللَّه من علمي ومن عملي، أي من انتسابي إليهما وغيبتي (٢) بهما عن فضل من ذكَرني بهما، وابتدأني بإعطائهما، من غير تقدُّم سبب منِّي يُوجبُ ذلك. فهو لا يشهد غير فضل مولاه وسبقِ مِنّته ودوامها (٣)، فيثيبه مولاه على هذه الشهادة العالية (٤) بحقيقة الفقر الأوسط بين الفقرين الأدنى والأعلى ثوابَين:

أحدهما: الخلاصُ من رؤية الأعمال حيث كان يراها، ويمتدح بها، ويستكثرها؛ فيستغرق بمطالعة الفضل غائبًا عنها، ذاهبًا عنها، فانيًا عن رؤيتها.

الثواب الثاني: أن يقطعه عن شهود الأحوال -أي عن شهود نفسه فيها متكثرةً بها- فإنَّ الحالَ محلُّه الصدر، والصدر بيت القلب والنفس، فإذا نزل العطاءُ في الصدر للقلب (٥) وَثَبَتْ (٦) النفسُ لتأخذَ نصيبها من العطاء، فتتمدح به، وتُدِلُّ به، وتزهو، وتستطيل، وتقرِّر إنِّيَّتها، لأنَّها جاهلة ظالمة، وهذا مقتضى الجهل والظلم. فإذا وصلَ إلى القلبِ نورُ صفة المِنَّة، وشهد معنى اسمه "المنَّان"، وتجلَّى سبحانه على قلب عبده بهذا الاسم مع اسمه "الأوَّل" ذَهَلَ القلبُ والنفسُ به، وصار العبدُ فقيرًا


(١) "ك، ط": "كمفلس".
(٢) الأصل غير منقوط، وقراءة "ف": "غنيتي"، والمثبت من غيرها.
(٣) "ك، ط": "دوامه".
(٤) "ف": "الغالبة لحقيقة"، تصحيف.
(٥) "ف": "انقلب"، تحريف.
(٦) "ط": "ثبتت"، تحريف.