للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القلب سلامته من السبب، ومسالمته للحكم، وخلاصه من الخصومة". ومعلومٌ أنَّ هذا شرط في الغنى، لا أنَّهُ نفس الغنى؛ بل وجود المنازعة والمخاصمة وعدم المسالمة مانع من الغنى. فهذه السلامة والمسالمة دليل على غنى القلب، لا أنَّ غناه بها نفسِها، وإنَّما غنى القلب بالدرجة الثالثة فقط، كما سيأتي بيانه (١). فإنَّ الغنيَّ (٢) إنَّما يصير غنيًّا بحصول مايسدُّ فاقته ويدفع حاجته. وفي القلبِ فاقة عظيمة وضرورة تامة وحاجة شديدة لا يسدُّها إلا فوزُه بحصول الغني الحميد الذي إن حصل للعبد حصل له كلُّ شيء، وإن فاته فاته كلُّ شيء. فكما أنَّه سبحانه الغنيُّ على الحقيقة ولا غنيَّ سواه، فالغنى به هو الغنى في الحقيقة ولا غِنى بغيره ألبتة. فمن لم يستغن به عمَّا سواه تقطَّعت نفسه على السوى حسراتٍ، ومن استغنى به زالت عنه كل حسرة، وحضره كلُّ سرور وفرح، واللَّه المستعان.

وإنَّما قدَّم الشيخُ (٣) الكلامَ على "غنى القلب" على الكلام على "غنى النفس"؛ لأنَّ (٤) كمال صلاح النفس، وغناها (٥) بالاستقامة من جميع الوجوه، وبلوغها إلى درجة الطمأنينة لا يكون إلا بعد صلاح القلب؛ وإصلاحُ (٦) النفس متقدمٌ على إصلاح القلب (٧). هكذا قيل! وفيه ما


(١) بعده في "ك، ط": "إن شاء اللَّه".
(٢) "ط": "فالغنى".
(٣) "ك، ط": "شيخ الإسلام".
(٤) "ف": "أنَّ" أخطأ في القراءة.
(٥) "ط": "النفس غناها".
(٦) "ك، ط": "صلاح".
(٧) "ط": "إصلاحه". "ك": "صلاح القلب".