للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه، لأنَّ صلاحَ كلٍّ منهما مقارنٌ لصلاح الآخر، ولكن لمَّا كان القلب هو الملِك وكان صلاحه صلاحَ جميع رعيته كان أولى بالتقديم.

وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ في الجسدِ مضغةً إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب" (١).

والقلبُ (٢) إذا استغنى بما فاض عليه من مواهب ربِّه وعطاياه السنية خلَعَ على الأمراءِ والرعية خِلَعًا تناسبها: فخلعَ على النفس خِلَع الطمأنينة والسكينة والرضا والإخبات، فأدَّت الحقوق سماحةً لا كظمًا بل (٣) بانشراح ورضًا ومبادرة. وذلك لأنَّها جانست القلب حينئذٍ، ووافقته في أكثر أموره، واتحد مرادهما غالبًا، فصارت له وزير صدق، بعد أن كانت عدوًّا مبارزًا بالعداوة. فلا تسأل عمَّا أحدثت هذه المؤازرة والموافقة من طمأنينة ولذَّة عيش ونعيم هو رقيقة (٤) من نعيم أهل الجنَّة! هذا، ولم تضع الحرب أوزارها فيما بينهما، بل عُدّتها وسلاحها كامنٌ متوارٍ، لولا قوْةُ (٥) سلطان القلب وقهرُه لحاربت بكلِّ سلاح؛ فالمرابطة


(١) من حديث النعمان بن بشير رضي اللَّه عنه. أخرجه البخاري في الإيمان (٥٢)، ومسلم في المساقاة (١٥٩٩).
(٢) "ك": "فالقلب".
(٣) "بل" ساقطة من "ك، ط".
(٤) أراد أنَّه جزء يسير جدًّا من نعيم أهل الجنَّة. وقد استعمل المؤلف هذا التعبير في مدارج السالكين أيضًا فقال: "وذلك رقيقة من حال أهل الجنَّة في الجنَّة" (٢/ ٤٦٤). وقال: "وهذا رقيقة من حال أهل الجنَّة" (٣/ ١٥٦)، وقرن بها كلمة "لطيفة" في (٣/ ٢٩٤) قال: "فإنَّ نعيم المحبة في الدنيا رقيقة ولطيفة من نعيم الجنة في الآخرة". فالرقيقة هنا اسم. وقد ضبطت في "ك" بضم أولها وفتح ثانيها، وفوقها علامة "صح"، وفي "ط": "دقيقة". والصوابُ ما أثبتنا.
(٥) "ط": "قدرة".