للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القلب؛ فتصير بذلك مطمئنةً بعد أن كانت لوَّامة. وإنَّما تصير مطمئنة بعد تبدُّل صفاتها، وانقلاب طبعها، لاستغناء القلب بما وصل إليه من نور الحقِّ جلَّ جلاله، فجرى أثرُ ذلك النور في سمعه وبصرِه، وشعرِه وبَشرِه، وعَظْمِه ولَحْمِه، (١) وسائرِ مفاصله؛ وأحاطَ بجهاته من فوقه وتحته، ويمينه ويساره، وخلفه وأمامه؛ وصارت ذاتُه نورًا فصارَ (٢) عملُه نورًا، وقولُه نورًا، ومدخلُه نورًا، ومخرجُه نورًا؛ وكان في مبعثه ممن أُتِمَّ (٣) له نورُه، فقطَع به الجسر.

وإذا وصلت النفسُ إلى هذه الحال استغنت بها عن التطاول إلى الشهوات التي توجب اقتحام الحدود المسخوطة، والتقاعدَ عن الأمور المطلوبة المرغوبة، فإنَّ فقرَها إلى الشهوات هو الموجِبُ لها التقاعدَ عن المرغوب المطلوب؛ وأيضًا فتقاعدُها عن المطلوب منها (٤) موجِبٌ لفقرها إلى الشهوات، فكلٌّ منهما موجب للآخر. وتركُ الأوامر أقوى لها في (٥) افتقارها إلى الشهوات، فإنَّهُ بحسب قيام العبد بالأمر تُدفَع (٦) عنه جيوشُ الشهوة، كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت/ ٤٥].

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (٧) [الحج/ ٣٨]، وفي


(١) "ك، ط": "لحمه ودمه".
(٢) "ك، ط": "وصار".
(٣) "ط": "انبهر"، تحريف شنيع.
(٤) "ط": "بينهما"، تحريف.
(٥) "ط": "من"، تحريف.
(٦) "ك": "يدفع".
(٧) كذا وردت الآية في الأصل وغيره بلفظ "يدفع" على قراءة ابن كثير وأبي =