للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به. ويفرح بتوبة عبده إذا رجع إليه وإلى عبوديته وطاعته أعظمَ من فرحِ من وجَدَ راحلتَه التي عليها طعامُه وشرابُه في أرض مهلكة بعد أن فقدها وأَيِسَ منها (١)، وهذا أعظمُ فرع يكون.

وكذلك العبد لا فَرَحَ له أعظمُ من فرحِه بوجود ربه، وأنسِه به، وطاعته له، وإقباله عليه، وطمأنينتِه بذكره، وعمارة قلبه بمعرفته، والشوقِ إلى لقائه. فليس في الكائنات ما يسكن العبدُ إليه، ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه إلا اللَّه سبحانه. ومن عبد غيرَه وأحبَّه -وإن حصل له نوع من اللَّذة والمودَّة والسكون إليه والفرَح والسرور بوجوده- ففسادُه به ومضرتُه وعطَبُه أعظمُ من فساد أكل الطعام المسموم اللذيذ الشهي الذي هو عذبٌ في مبدئه، وعذابٌ في نهايته، كما قال القائل:

مآربُ كانت في الشباب لأهلها ... عِذابًا، فصارت في المشيب عَذَابا (٢)

{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢)} [الأنبياء/ ٢٢]، فإنَّ قوام السماوات والأرضِ والخليقة بأن تأله الإلهَ الحقَّ، فلو كان فيهما آلهة أخر (٣) غير اللَّه لم يكن إلهًا حقًّا، إذ الإله الحق لا شريكَ له ولا سمي له ولا مثل له، فلو تألهت غيرَه لفسدت كل الفساد بانتفاء ما به صلاحُها، إذ صلاحُها بتألُهِ الإلهِ الحقِّ. كما أنَّها لا توجَد إلا باستنادها إلى الربِّ الواحد القهَّار،


(١) يشير إلى حديث الصحيحين، وسيأتي في ص (٥١٢).
(٢) تمثل به المؤلف في روضة المحبين (٦٣٣)، والداء والدواء (٢٦٦، ٣٦١)، والفوائد (٤٦).
(٣) "ط": "إله آخر".