للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومستحيلٌ (١) أن تستند في وجودها إلى ربَّين متكافئين، فكذلك يستحيل أن تستند في بقائها وصلاحها إلى إلهين متساويَين.

إذا عُرفَ هذا فاعلم أنَّ حاجةَ العبد إلى أن يعبد اللَّه وحده، ولا يشرك (٢) به شيئًا في محبته، ولا في خوفه، ولا في رجائه، ولا في التوكل عليه، ولا في العمل له، ولا في الحلف به، ولا في النذر له، ولا في الخضوع له، ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرب = أعظمُ من حاجة الجسد إلى روحه، والعين إلى نورها. بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به، فإنَّ حقيقة العبد قلبه وروحه (٣)، ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إلهَ إلا هو. فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره، وهي كادحة إليه كدحًا فملاقيته، ولابد لها من لقائه؛ ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعبوديتها له، ورضاه وإكرامه لها.

ولو حصلَ للعبد من اللذات والسرور بغير اللَّه ما حصلَ لم يدُمْ له ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت، ثمَّ يتعذب به (٤) -ولا بد- في وقت آخر. وكثيرًا ما يكون ذلك الذي يتنعم به ويلتذ به غيرَ منعِمٍ له ولا مُلِذّ، بل قد يؤذيه اتصالُه به ووجودُه عنده (٥)، ويضرّه ذلك. وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجَرِب من لذة الأظفار التي تحكُه، فهي تُدمي الجلد


(١) "ك، ط": "يستحيل".
(٢) "ك، ط": "وحده لا يشرك".
(٣) "ك، ط": "وروحه وقلبه".
(٤) "ك": "يعذب به". "ط": "يعذب ولابد".
(٥) في الأصل وغيره: "عنه"، وهو سهو. والصواب ما أثبتنا من "ط".