للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن العجب أنَّ هذا شأنك مع نفسك، وأنت تشكو المحسن البريء عن الشكاية، وتتهم أقداره وتعاتبها (١) وتلومها! فقد ضيعت فرصتك، وفرَّطت في حظك، وعجز رأيك عن معرفة أسباب سعادتك وإرادتها، ثمَ قعدتَ تعاتب القدرَ بلسان الحال والقال! فأنت المعنيّ بقول القائل:

وعاجزُ الرَّأي مِضياعٌ لِفرصته ... حتَّى إذا فاتَ أمرٌ عاتَبَ القَدَرا (٢)

ولو شعرتَ بدائك (٣)، وعلمتَ من أين دُهِيتَ ومن أين أُصِبتَ، لأمكنك تداركُ ذلك. ولكن قد فسدت الفطرة، وانتكس القلب، وأطفأ الهوى مصابيح العلم والإيمان منه، فأعرضتَ عمَّن أصلُ بلائك ومصيبتك منه، وأقبلتَ تشكو مَنْ كلُّ إحسان دقيق أو جليل وصل إليك فمنه. فإذا شكوته إلى خلقه كنتَ كما قال بعض العارفين، وقد رأى رجلًا يشكو إلى آخر ما أصابه ونزل به (٤): يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك!

وإذا عَرَتْكَ مصيبةٌ فاصْبِرْ لها ... صبرَ الكريمِ فإنَّهُ بك أرحَمُ (٥)


= (٣/ ٣٨)، والبدائع (١١٨٨). وهو لصالح بن عبد القدوس. انظر: التمثيل والمحاضرة (٧٧)، والحماسة البصرية (٨٧٤).
(١) "ط": "تعانيها"، تصحيف.
(٢) تمثل به المصنف في الروح (٢٩)، والفوائد (١٨١). وقد أنشده الجاحظ في البيان (٢/ ٣٥٠)، ونسب في المنتخل (١/ ٤٦٣) إلى الخليل بن أحمد.
(٣) "ك، ط": "برأيك"، تحريف.
(٤) زاد في "ط" بعد "به": "فقال".
(٥) "ط": "وإذا أتتك".