للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: لا ريب أنَّ التصوير المحسوس وخلق الجلد والعظم واللحم إنما يقع في الأربعين الثالثة، لا يقع عقيب الأولى، هذا أمرٌ معلوم بالضرورة، فإمَّا أن يكون المراد بالأربعين في هذه الألفاظ الأربعين الثالثة، وسمَّى المضغة فيها نطفةً اعتبارًا بأوَّل أحوالها وما كانت عليه. أو يكون المراد بها الأربعين الأولى، وسمَّى كتابةَ تصويرها وتخليقها (١) وتقديرَه تخليقًا اعتبارًا بما يؤول؛ فيكون قوله "صورها وخلق سمعها وبصرها" أي قدَّر ذلك وكتبه وأعلم به، ثمَّ يفعله (٢) بعد الأربعين الثالثة.

أو يكون المراد به (٣) الأربعين الأولى وحقيقة التصوير فيها، فيتعين حمله على تصوير خفي لا يدركه إحساس البشر. فإنَّ النطفة إذا جاوزت الأربعين انتقلت علقة، وحينئذٍ يكون أول مبدأ التخليق، فيكون مع هذا المبدأ مبدأ التصوير الخفي الذي لا يناله الحس. ثم إذا مضت الأربعون الثالثة صُورت التصويرَ المحسوس المشاهد.

فأحد التقديرات الثلاثة متعيِّن (٤)، ولا بُدَّ؛ ولا يجوز غير هذا البتة، إذ العلقة لا سمع فيها ولا بصر ولا جلد ولا عظم. وهذا التقدير الثالث أليق بألفاظ الحديث وأشبه وأدل على القدرة (٥)، واللَّه أعلم بمراد رسوله. غير أنَّا لا نشك أن التخليق المشاهد والتقسيم إلى الجلد والعظم


(١) "ط": "تصويره وتقديره"، وفيه سقط وتحريف.
(٢) "ك، ط": "يفعله به". "ن": "ثم يكون ذلك".
(٣) "ط": "به أي الأربعين". "ك": "به أي بالأربعين المراد به الأربعين الأولى حقيقة".
(٤) "ط": "يتعين".
(٥) "ك، ط": "القدر".