للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واللحم إنَّما يكون بعد الأربعين الثالثة. والمقصود أنَّ كتابة الشقاوة والسعادة وما هو لاقٍ، عند أوَّل تخليقه.

ويحتمل وجهًا رابعًا وهو أنَّ النطفة في الأربعين الأولى لا يُتعرَّض إليها ولا يُعتنى بشأنها (١)، فإذا جاوزتها وقعتْ في أطوار التخليق طَورًا بعد طَور، ووقع حينئذٍ التقدير والكتابة. فحديث ابن مسعود صريحٌ بأن وقوع ذلك بعد الطور الثالث عند تمام كونها مضغة، وحديث حذيفة بن أُسَيد وغيره من الأحاديث المذكورة إنَّما فيه وقوع ذلك بعد الأربعين، ولم يوقِّت فيها البَعدية (٢) بل أطلقها، وقد قيدها ووقَّتها في حديث ابن مسعود، والمطلق في مثل هذا يحمل على المقيد بلا ريب. فأخبر بما يكون للنطفة (٣) بعد الطور الأوَّل من تفاصيل شأنها وتخليقها، وما يقدر لها وعليها، وذلك يقع في أوقات متعددة، وكلّه بعد الأربعين الأولى، وبعضه متقدم على بعض؛ كما أنَّ كونها علقةً متقدم (٤) على كونها مضغةً، وكونها مضغة متقدِّم (٥) على تصويرها، والتصوير متقدم على نفخ الروح، ومع (٦) ذلك فيصح أن يقال: إنَّ النطفة بعد الأربعين تكون علقة ومضغة، ويصوَّر خلقُها، وتركَّب فيها العظام والجلد، ويشق لها السمع والبصر، وينفخ فيها الروح، ويكتب شقاوتها وسعادتها. وهذا لا يقتضي وقوع ذلك كله عقيب الأربعين الأولى من غير فصل.


(١) قراءة "ف": "ولا يعتبر شأنها".
(٢) "ف": "التعدية" تصحيف.
(٣) "ف، ط": "تكون النطفة"، "ك": "يكون بالنطفة".
(٤) "ف، ك، ط": "يتقدم"، والصوابُ ما أثبتنا، وهي قراءة "ن".
(٥) "وكونها مضغة" ساقط من "ن، ك". وفي "ن" هنا: "يتقدم".
(٦) سقطت الواو من "ك، ط".