للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حصلَ فيها الماءُ أمسكته وحفظته، فورده الناس لشربهم وشرب مواشيهم، وسقوا منه زروعهم (١). وهذا بمنزلة القلب الَّذي حفظ الوحيَ، وضبَطَه، وأدَّاه إلى من هو أفهمُ له منه، وأفقه منه فيه (٢)، وأعرف بمراده؛ وهذا في الدرجة الثانية.

ومن الأرضِ أرضٌ قيعانٌ -وهي المستوية التي لا تنبت إمَّا لكونها سَبَخةً (٣) أو رمالًا، ولا يستقر فيها الماء- فإذا وقع عليها الماءُ ذهبَ ضائعًا لم تمسكه لشرب الناس، ولم تُنبت به كلأ، لأنَّها غير قابلة لحفظ الماءِ ولا لنبات الكلأ والعشب. وهذَا حال أكثر الخلق، وهم الأشقياء الذين لم يقبلوا هدى اللَّه ولم يرفعوا به رأسًا، ومن كان بهذه المثابة فليس من المسلمين. بل لابد لكلِّ مسلم أن يزكو الوحيُ في قلبه، فينبت من العمل الصالح، والكلم الطيب، ونفع نفسه وغيره بحسب قدرته. فمن لم ينبت قلبُه شيئًا من الخيرِ البتة، فهذا من أشقى الأشقياء. فصلوات اللَّه وسلامه على مَن الهدى والبيانُ والشفاءُ والعصمةُ في كلامه وفي أمثاله (٤).

والمقصود: أنَّ اللَّه سبحانه أعلم بمواقع فضله ورحمته وتوفيقه، ومن يصلح لها ممن (٥) لا يصلح، وأنَّ حكمته تأبى أن تضع (٦) ذلك عند


(١) "ك": "زرعهم".
(٢) "فيه" ساقط من "ك، ط".
(٣) في الأصل: "صبخة"، ولعله سبق قلم، وكذا في "ف، ن".
(٤) وانظر شرح الحديث المذكور في مفتاح دار السعادة (١/ ٢٤٦)، والرسالة التبوكية (٦١).
(٥) "ط": "ومن".
(٦) "ط": "يضع".