للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذا القلب بذر الإيمان والمعرفة، وسقاه ماءَ العلم النافع والعمل الصالح، وأطَلع عليه من نوره شمسَ الهداية، وصرف عنه الآفاتِ المانعة من حصولِ الثمرة، فأنبتت أرضُه الزاكية من كل زوجٍ كريم، كما في الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:

"مثلُ ما بعثني اللَّه به (١) من الهدى والعلم كمثل غيثٍ أصابَ أرضًا، فكان منها طائفةٌ طيبةٌ قبلت الماءَ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وكان منها طائفة أجادبُ أمسكت الماء، فسقى الناس وزرعوا. وأصاب منها طائفةً أخرى إنَّما هي قِيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقُه في دين اللَّه ونفعه بما بعثني اللَّه به، ومثل من لم يرفع في بذلك رأسًا ولم يقبل هدى اللَّه الذي أُرسِلتُ به" (٢).

فمثَّل القلوب بالأرضِ التي هي محل النبات والثمار، ومثَّل الوحيَ الذي وصل إليها من بارئها وفاطرها بالماءِ الذي ينزله على الأرضِ. فمن الأرضِ أرضٌ طيبة قابلةٌ للماءِ والنبات، فلمَّا أصابها الماءُ أنبتت ما انتفع به الآدميون والبهائم: أقواتَ (٣) المكلفين وغيرهم. وهذه بمنزلة القلبِ القابل لهدى اللَّه ووحيه، المستعدّ لزكائه (٤) وثمرته ونمائه، وهذا خير قلوب العالمين.

ومن الأرضِ أرضٌ صلبةٌ منخفضةٌ غيرُ مرتفعة ولا رابية، قابلةٌ لحفظ الماءِ واستقراره فيها، ففيها قوَّة الحفظ وليس فيها قوَّة النبات؛ فلمَّا


(١) لم يرد "به" في "ك، ط".
(٢) أخرجه البخاري في كتاب العلم (٧٩)، ومسلم في كتاب الفضائل (٢٢٨٢).
(٣) "ط": "وأقوات" بزيادة الواو.
(٤) "ف": "لزكاته".