للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلوب العباد، فرأى قلوبَ أصحابه خيرَ قلوب العباد، فاختارهم لصحبته" (١). وفي أثر إسرائيلي (٢): أنَّ اللَّه تعالى قال لموسى: أتدري لمَ اخترتُك لكلامي؟ قال: لا يا رب. قال: لأنِّي (٣) نظرتُ في قلوب العباد، فلم أرَ فيها أخضعَ من قلبك لي. أو نحو هذا (٤).

فالربُّ سبحانه إذا علمَ من المحلّ (٥) أهليَّةً لفضله ومحبته ومعرفته وتوحيده حبَّبَ إليه ذلك، ووضعه فيه، وكتبه في قلبه، ووفَّقه له، وأعانه عليه، ويسَّرَ له طرقَه، وأغلق دونه الأبوابَ التي تحول بينه وبين ذلك. ثمَّ تولاه بلطفه وتدبيره وتيسيره وتربيته أعظمَ (٦) من تربية الوالد الشفيق الرحيم المحسِن لولده الذي هو أحب شيء إليه. فلا يزال يعامله بلطفه، ويختصه بفضله، ويؤثره برحمته، ويمده بمعونته، ويؤيده بتوفيقه، ويُريه مواقع إحسانه إليه وبرّه به؛ فيزداد العبدُ به معرفةً، وله محبَّةً، وإليه إنابةً، وعليه توكلًا؛ ولا يتولى معه غيره، ولا يعبد (٧) سواه. وهذا هو الذي عرفَ قدرَ النعمة، وعرف المنعم، وأقرَّ بنعمته، وصرفها في مرضاته؛ فاقتضت (٨) حكمة الرب تعالى وجوده وكرمه وإحسانه أن بذر


(١) أخرجه أحمد (٣٦٠٠)، والبزار كما في كشف الأستار (١٣٠)، وسنده حسن. (ز).
(٢) "ط": "أثر بني إسرائيل". وكذا كان في "ك" ثمَّ عدّل في المتن.
(٣) "ط": "إني".
(٤) نقل الذهبي نحو هذا عن وهب بن منبه في سير أعلام النبلاء (١٥/ ٤٩٨).
(٥) "ك، ط": "محل".
(٦) "ط": "أحسن".
(٧) "ك، ط": "ولا يعبد معه".
(٨) "ك، ط": "واقتضت".