للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه، ومنها الطيب، وبين ذلك؛ وكذلك القلوب منها القلب الشريف الزكي، والقلب الخسيس الخبيث. وهو سبحانه خلق الأضداد كما خلق الليل والنهار، والبر والبحر (١)، والحر والبرد (٢)، والداءَ والدواء، والعلو والسفل؛ وهو أعلمُ بالقلوب الزاكية والأرواح الطيبة التي تصلح لاستقرار هذه النعم فيها، وإيداعها عندها، ويزكو بذرها (٣) فيها، فيكون تخصيصه لها بهذه النعم (٤) كتخصيص الأرض الطيبة القابلة للبذرِ بالبذرِ. فليس من الحكمة أن يبذرَ البُرُّ في الصخور والرمال والسِّباخ (٥)، وفاعل ذلك غير حكيم، فما الظنُّ ببذر الإيمان والقرآن والحكمة ونور المعرفة والبصيرة في المحالّ التي هي أخبث المحالّ.

فاللَّه عزَّ وجلَّ أعلم حيث يجعل رسالاته أصلًا وميراثًا، فهو أعلمُ بمن يصلح لتحمّلِ رسالته فيؤديها إلى عباده بالأمانة، والنصيحة، وتعظيم المرسِل، والقيامِ بحقه، والصبر على أوامره، والشكر لنعمه، والتقرب إليه؛ ومن لا يصلح لذلك. وكذلك هو سبحانه أعلم بمن يصلح من الأمم لوراثة رُسله، والقيام بخلافتهم، وحمل ما بلَّغوه عن ربِّهم.

قال عبد اللَّه بن مسعود: "إنَّ اللَّه تعالى نظر في قلوب العباد، فرأى قلب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- خيرَ قلوب أهل الأرض، فاختصه برسالته. ثمَّ نظر في


(١) "والبر والبحر" ساقط من "ك، ط".
(٢) "ك، ط": "البرد والحر".
(٣) "ط": "بذورها"، وصحح في القطرية.
(٤) "ط": "النعمة".
(٥) جمع سَبَخَة، وهي الأرض التي تعلوها الملوحة، ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر.