للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلق الأضداد، وكمالُ الحكمة بتنزيلها (١) منازلها ووضع كلٍّ منها في موضعه. والعالِمُ من لا يُلقي الحربَ بين قدرة اللَّه وحكمَته، فإن آمن بالقدرة قدَحَ في الحكمة وعطَّلها، وإن آمن بالحكمة قدَح في القدرة ونقَضها (٢)؛ بل يربط القدرة بالحكمة، ويعلم شمولهما لجميع ما خلقه اللَّه ويخلقه، فكما أنَّه لا يكون إلا بقدرته ومشيئته، فكذلك لا يكون إلا بحكمته.

وإذا كان لا سبيل للعقول البشرية إلى الإحاطة بهذا تفصيلًا، فيكفيها الإيمانُ بما تعلَم وتشاهد منه، ثمَّ تستدل على الغائب بالشاهد، وتعتبر ما علمت بما لم تعلم (٣). وقد ضربَ اللَّه سبحانه الأمثال لعباده في كتابه، وبيَّن لهم ما في لوازم ما خلقه لهم وأنزله عليهم من الغيث الَّذي به حياتهم وأقواتهم وحياةُ الأرضِ والدوابّ، وما خلقه لهم من النار (٤) التي بها صلاحُ أبدانِهم وأقواتِهم وصنائعهم، من الشر الجزِئي (٥) المغمور بالإضافة إلى الخير الحاصل بذلك، فقال تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (١٧)} [الرعد/ ١٧].

فأخبر سبحانه أنَّ الماءَ بسبب مخالطته الأرض (٦) إذا سال فلا بد من


(١) "ك، ط": "تنزيلها".
(٢) الأصل غير منقوط، والمثبت من "ف" وغيرها.
(٣) كذا في الأصل وغيره، ولعل الصواب: "وتعتبر بما علمت ما لم تعلم".
(٤) في الأصل: "النار" وهو الصواب هنا، ولكن كأنَّه مضروب عليه، وفي "ف": "المعارف"، وفي "ك، ط": "المعادن "ويشبهه رسمه في "ن".
(٥) "ك، ط": "الشر والخير وبين المغمور"، تحريف.
(٦) "ك": "الأرض". "ط": "الماء بمخالطته سبسب الأرض"، تحريف.