للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعلوا كل قادر مريد مختار أكمكَ منه، وإن كان من كان. بل سلبُهم القدرةَ والاختيارَ والفعلَ عن رب العالمين شرٌّ من شرك عبَّاد الأصنام به بكثير، وشرٌّ من قول النصارى إنَّه -تعالى عن قولهم- ثالث ثلاثة وإن له صاحبةً وولدًا، فإنَّ هؤلاء أثبتوا له قدرةً وإرادةً وفعلًا اختياريًّا (١) وحكمةً، ووصفوه مع ذلك بما لا يليق به، وأمَّا أولئك فنفوا ربوبيته وقدرته بالكلية، وأثبتوا له أسماءً لا حقائق لها ولا معنى.

والطائفة الثانية: أقرَّت بقدرته وعموم مشيئته للكائنات، وجحدت حكمته وما له في خلقه من الغايات المحمودة المطلوبة له -سبحانه- التي يفعل لأجلها ويأمر لأجلها، فحافظت على القدر وجحدت الحكمة. وهؤلاء هم النفاة للتعليل والأسباب والقوى والطبائع في المخلوقات، فعندهم لا يفعل لشيء ولا لأجل شيء. وليس في القرآن عندهم لام تعليل ولا باء تسبيب (٢)، وكلُّ لامٍ تُوهِم التعليل فهي عندهم لام العاقبة، وكلُّ باءٍ تُشعِر بالتسبيب (٣) فهي عندهم باء المصاحبة (٤).

وهؤلاء سلَّطوا نُفاة القدر عليهم بما نفَوه من الحكمة والتعليل والأسباب، فاستطالوا عليهم بذلك، ووجدوا (٥) مقالًا واسعًا بالشناعة، فقالوا، وشنعوا. ولعمر اللَّه إنَّهم لمحقّون في أكثر ما شنّعوا عليهم به، إذ نفيُ الحكمة والتعليل والأسباب له لوازم في غاية الشناعة،


(١) "ك، ط": "إرادة واختيارًا وحكمة".
(٢) "ك، ط": "تسبّب".
(٣) "ك، ط": "بالتسبّب".
(٤) وانظر: مفتاح دار السعادة (٢: ٢٥٦) وشفاء العليل: (٢٩٨).
(٥) "ط": "فوجدوا"، وأصلح في القطرية.