للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتزامها مكابرة ظاهرة عند عامَّة العقلاءِ.

والطائفة الثالثة: أقرَّت بحكمته، وأثبتت الأسباب والعلل والغايات في أفعاله وأحكامه، وجحدت بكمال (١) قدرته، فنفت قدرتَه على شطر العالم، وهو أشرف ما فيه من أفعال الملائكة والجن والإنس وطاعاتهم. بل عندهم هذه (٢) كلها لا تدخل تحت مقدوره تعالى، ولا يوصف بالقدرة عليها، ولا هي داخلة تحت مشيئته ولا ملكه. وليس في مقدوره عندهم أن يجعل المؤمن مؤمنًا والمصلي مصليا والموفق موفقًا، بل هو الَّذي جعل نفسه كذلك. وعندهم أنَّ أفعال العباد من الملائكة والجن والإنس كانت بغير مشيئته واختياره، تعالى (٣) اللَّه عن قولهم.

وهؤلاء سلَّطوا عليهم نفاةَ الحكمة والتعليل والأسباب، فمزقوهم كلَّ ممزَّق، ووجدوا طريقًا مَهْيعًا (٤) إلى الشناعة عليهم، وإبداء (٥) تناقضهم، فقالوا، وشنَّعوا، ورموهم بكلِّ داهية. إذ نفيُ (٦) قدرة الربِّ تعالى على شطر المملكة له لوازم في غاية الشناعة والقبح والفساد، والتزامها مكابرة ظاهرة عند عامة العقلاء، ونفيُ التزامها تناقضٌ بيِّن. فصاروا مذبذين (٧) بين التناقض -وهو أحسن


(١) ما عدا الأصل: "كمال".
(٢) "هذه" سقطت من القطرية.
(٣) "ك، ط": "فتعالى".
(٤) طريق مهيَع: واضح واسع بين. وقد أشكلت الكلمة على ناسخ "ف"، فحاكى رسمها في الأصل، وأثبت فوقها: "ظ". وتحرفت في "ك، ط" إلى "وسيعًا".
(٥) "ك، ط": "وأبدوا".
(٦) "ك، ط": "ونفي"، وصحح بعضهم في متن "ك".
(٧) "ك، ط": "فصاروا بذلك بين"، تحريف.