للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَريان آثارها فيهما، وعلم -بحسب معرفته- ما يليق بكماله وجلاله أن يفعله وما لا يليق، فاستدلَّ بأسمائه على ما يفعله وما لا يفعله، فإنَّه لا يفعل خلافَ موجَب حمده وحكمته. وكذلك يعلم ما يليق به أن يأمر به ويشرعه ممَّا لا يليق به. فيعلم أنِّه لا يأمر بخلاف موجَب حمده وحكمته.

فإذا رأى في بعض الأحكام جورًا وظلمًا أو سفهًا وعبثًا أو مفسدة (١) أو ما لا يُوجِب حمدًا وثناءً فَلْيعلَمْ أنَّه ليس من أحكامه ولا دينه، وأنَّه بريء منه ورسولُه، فإنَّه إنَّما يأمرُ بالعدل لا بالظلم، وبالمصلحة لا بالمفسدة، وبالحكمة لا بالعبث والسفَه. وإنَّما بعث رسوله بالحنيفية السمحة لا بالغلظة والشدة، وبعثه بالرحمة لا بالقسوة، فإنَّه أرحم الرَّاحمين، ورسولُه رحمةٌ مهداةٌ إلى العالمين، ودينُه كلُّه رحمة، وهو نبي الرحمة، وأمتُه الأمة المرحومة. وذلك كله موجَب أسمائه الحسنى وصفاته العلى (٢) وأفعاله الحميدة، فلا يُخبَر عنه إلا بحمده، ولا يثنى عليه إلا بأحسن الثناءِ، كما لا يسمَّى إلا بأحسن الأسماء.

وقد نبَّه سبحانه على شمول حمده لخلقِه (٣) وأمرِه بأن حمِد نفسَه في أوَّل الخلق وآخره، وعند الأمر والشرع؛ وحمد نفسَه على ربوبيته للعالمين، وحمد نفسَه على تفرده بالإلهية وعلى حياته. وحمد نفسَه على امتناع اتصافه بما لا يليق بكماله من اتخاذ الولد والشريك وموالاةِ أحد من خلقه لحاجة (٤) إليه. وحمد نفسَه على علوه وكبريائه، وحمد


(١) "ك، ط": "ومفسدة".
(٢) "ط": "العليا".
(٣) "ب": "خلقه لحمده"، خطأ.
(٤) "ب، ك، ط": "لحاجته".