للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأخبرَ أنَّهُ لم يخلق الجنَّ والإنسَ لحاجةٍ منه إليهم، ولا ليربح عليهم، لكن خلقهم جودًا وإحسانًا ليعبدوه فيربَحوا هم عليه كلّ الأرباح كقوله: {أنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} [الإسراء/ ٧]، {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)} [الروم/ ٤٤].

ولمَّا أمرهم بالوضوء والغسل (١) من الجنابة الذي يحطّ عنهم أوزارهم، ويدخلون به عليه، ويرفع به درجاتهم، قال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦)} [المائدة/ ٦].

وقال في الأضاحي والهدايا: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج/ ٣٧].

وقال عقيب أمرهم بالصدقة ونهيهم عن إخراج الرديء من المال: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)} [البقرة/ ٢٦٧]. يقول سبحانه: إنِّي غني عمَّا تنفقون أن ينالني منه شيء، حميد مستحق للمحامد (٢) كلِّها. فإنفاقكم لا يسدُّ منه حاجةً، ولا يوجب له حمدًا، بل هو الغني بنفسه، الحميد بنفسه وأسمائه وصفاته، وإنفاقُكم إنَّما نفعُه لكم وعائدته عليكم.

ومن المتعين على من لم يباشر قلبَه حلاوةُ هذا الخطاب، وجلالتُه، ولطفُ موقعه، وجذبُه للقلوب والأرواح، ومخالطتُه لها = أن يعالجَ قلبَه بالتقوى، وأن يستفرغ منه المواد الفاسدة التي حالت بينه وبين حظه من


(١) "ب، ط": "بالغسل".
(٢) "ك، ط": "المحامد".