للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهو خيرٌ بإضافته إليه، وشرٌّ بإضافته إلى من صدر عنه ووقع به. فتمسَّك بهذا الأصل ولا تُفارِقْه في كلِّ دقيق وجليل، وحكِّمه على كلِّ (١) ما يرد عليك، وحاكِمْ إليه واجعله آخيتك التي ترجع إليها وتعتمد عليها.

واعلم أنَّ للَّه خصائصَ في خلقه، ورحمةً وفضلًا يختص به من يشاءُ، وذلك موجَب ربوبيته وإلهيته وحمده وحكمته، فإياك ثمَّ إيَّاكَ أن تُصغي إلى وسوسِة شياطين الإنس والجنّ والنفس الجاهلة الظالمة أنَّه هلَّا سوَّى بين عباده في تلك الخصائص، وقسَّمها بينهم على السواء؟ فإنَّ هذا عين الجهلِ والسفَه من المعترض به. وقد بيّنَّا فيما تقدم أنَّ حكمته تأبى ذلك وتمنع منه (٢).

ولكن اعلم أنَّ الأمرَ قسمةٌ بين فضله وعدله، فيختص برحمته من يشاء، ويقصد بعذابه من يشاء، وهو المحمود على هذا وهذا (٣). فالطيبون من خلقه مخصوصون بفضله ورحمته، والخبيثون مقصودون بعذابه، ولِكلِّ واحدٍ قسطُه من الحكمة والابتلاء والامتحان، وكلٌّ مستعملٌ فيما هو له مهيَّأ وله مخلوق.

وكلُّ ذلك خير ونفع ورحمة للمؤمنين، فإنَّه تعالى خلقهم للخيرات فهم لها عاملون، واستعملهم فيها فلم يدركوا ذلك إلا به، ولا استحقوه إلا بما سبق لهم من مشيئته وقَسْمه (٤)، فلذلك (٥) لا تضرهم الأدواءُ


(١) "كل": ساقط من "ب".
(٢) انظر ما سلف في ص (٢١٢، ٢١٧).
(٣) "وهذا" ساقط من "ط".
(٤) "ب، ط": "قسمته"، وقد سقطت من "ف" سهوًا.
(٥) "ك، ط": "فكذلك".