للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلَّ الحذَر، واستدلُّوا بما رأوه منها وشاهدوه على ما في تلك الدار من المكروهات والعقوبات. وكان وجودُها في هذه الدار وإشهادُهم إياها، وامتحانُهم باليسير منها رحمةً منه بهم، وإحسانًا إليهم، وتذكرةً وتنبيهًا.

ولمَّا كانت هذه الدار ممزوجًا خيرُها بشرها، وأذاها براحتها، ونعيمُها بعذابها اقتضت حكمةُ أحكم الحاكمين أن خلَّص خيرَها من شرَّها، وخصَّه بدار أخرى هي دار الخيرات المحضة ودار الشرور (١) المحضة. فكتب على هذه الدار حُكمَ الامتزاج والاختلاط، وخلَطَ فيها بين (٢) الفريقين، وابتلَى بعضهم ببعض، وجعَل بعضَهم لبعض فتنة؛ حكمةٌ بالغةٌ بهرت العقول وعزَّةٌ قاهرة. فقام بهذا الاختلاط سوقُ العبودية كما يحبه ويرضاه، ولم تكن تقوم (٣) عبوديته التي يحبها ويرضاها إلا على هذا الوجه، بل العبد الواحد جمَع فيه بين أسباب الخير والشر، وسلَّط بعضَه على بعض ليستخرج منه ما يحبه من العبودية التي لا تحصل إلا بذلك.

فلمَّا حصلت الحكمة المطلوبة من هذا الامتزاج والاختلاط أعقبَه بالتمييز والتخليص، فميز بينهما بدارين ومحلين، وجعل لكلِّ دارٍ ما يناسبها، وأسكن فيها من يناسبها وخلَق المؤمنين المتقين المخلصين لرحمته، وأعداءَه الكافرين لنقمته، والمخلِّطين للأمرين معًا (٤): فهؤلاء أهل الرحمة، وهؤلاء أهل النقمة، وهؤلاء أهل الرحمة


(١) "ك، ط": "السرور"، تصحيف.
(٢) "ف": "من"، تحريف.
(٣) "ب": "ولم يمكن قيام".
(٤) "معًا" ساقط من "ك، ب".