للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغائب على الشاهد في ذلك ممتنع.

قالوا: وأمَّا الإيلام للاعتبار بأن يعتبر الغيرُ بالألم الواقع بغيره، فيكون ذلك أدعى له إلى الإذعان والانقياد؛ فلا ريبَ أنَّ الصبي إذا شاهدَ المعلِّم يضرب غيره على لعبه وتفريطه كان ذلك مصلحةً واعتبارًا له، ولعلَّه أن ينتفع بضرب ذلك الغير أكثرَ من انتفاع المضروب، أو حيث لا ينتفع المضروب. ولكن إنَّما يحسن ذلك إذا كان المضروبُ مستحقًّا للضرب، فأين استحقاق الأطفال والبهائم؟

قالوا: وكذلك تمكينُه تعالى عبادَه أن يؤلم بعضُهم بعضًا ويضرَّ بعضهم (١) بعضًا -مع قدرته على منعِ المؤلِم المضِر- أيُّ مصلحة لمن مُكِّنَ من ذلك وأُقدر عليه؟ وهل كانت مصلحته إلا تعجيزه وأن يحالَ بينه وبين القدرة على الأذى وضرر العباد (٢)؟

قالوا: فهذه الشريعةُ التي وضعتموها لربِّ العباد تعالى، وأوجبتم عليه ما أوجبتم، وحرَّمتم عليه ما حرَّمتم، وحجرتم (٣) عليه في تصرفه في مُلكه بغير ما أصَّلتم وفرَّعتم بعقولكم وآرائكم، تشبيهًا له وتمثيلًا بخلقه فيما يحسن منهم ويقبح؛ مع أنَّها شريعةٌ باطلة ما أنزل اللَّه بها من سلطان، فإنَّكم لم تطردوها، بل أنتم متناقضون فيها غاية التناقض، خارجون فيها عمَّا يُوجبه كلُّ عقلٍ صحيح وفطرة سليمة. فلا للتشبيه والتمثيل طردتم، ولا بالتعويض قلتم، ولا على حقيقة الحكمة والحمدِ


(١) "ويضر بعضهم بعضًا" ساقط من "ب".
(٢) "ك، ط": "الأداء وصون العباد" تحريف.
(٣) "ك، ط": "جحدتم"، تصحيف.