للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شر (١)، فإذن ليس لهما أعتبار آخر بحسبه يكونان شرين.

وأمَّا عدم الفضائل المستغنى عنها -مثل عدم العلم بالفلسفة- فظاهر أنَّ ذلك ليس بشر. وأمَّا الأمور الوجودية فإنَّها ليست شرورًا بالذات بل بالعرض، من حيث إنَّها تتضمن عدم أمور ضرورية أو نافعة، ويدل عليه أنَّا لا نجد شيئًا من الأفعال التي يُقال لها شرّ إلا وهو كمال (٢) بالنسبة إلى الفاعل، وأمَّا شريته فبالقياس إلى شيء آخر.

فالظلم مثلًا يصدر عن قوَّة طلَّابة (٣) للغلبة وهي القوة الغضبية، والغلبة هي كمالها وفائدة خلقتها. فهذا الفعل بالقياس إليها خير، لأنَّها إن ضعفت عنه فهو بالقياس إليها شر، وإنَّما كان شرًّا للمظلوم لفوات المال وغيره عنه. والنَّفس الناطقة (٤) كمالها الاستيلاء على هذه القوَّة، فعند قهر (٥) القوة الغضبية يفوت النفسَ ذلك الاستيلاء، فلا جرم (٦) كان شرًّا لها. وكذلك النَّار إذا أحرقت فإنَّ الإحراق كمالها، ولكنَّه (٧) شر بالنسبة إلى من زالت سلامته بسببها. وكذلك القتل وهو استعمال الآلة القطَّاعة في قطع رقبة إنسان، فإنَّ كون الإنسان قويًّا على استعمال الآلة ليس شرًّا له بل خير (٨)، وكذلك كون الآلة قطَّاعةً هو خير لها، وكذلك


(١) كذا في الأصل وغيره، وفي المباحث المشرقية: "شرّان"، كما جاء فيما بعد.
(٢) "ب، ك، ط": "وهو كما قال"، تحريف.
(٣) "ك، ط": "ظلَّامة"، تحريف.
(٤) "ف": "الباطنة"، تحريف.
(٥) في المباحث: "فوات"، وهو الصواب.
(٦) "ك، ط": "ولا جرم".
(٧) "ك، ط": "ولكنها".
(٨) في الأصل وغيره: "خيرًا" ولعله سهو. والمثبت من المباحث و"ط".