للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك القائلون بقدم العالم نزَّهوه عن قيام الإرادات والأفعالِ المتجدِّدة به، ثمَّ جعلوا جميعَ الحوادث لازمةً له لا ينفك عنها. ونزَّهوه عن إرادته (١) لخلق العالم وأن يكون صدوره عن مشيئته وإرادته، وجعلوه لازمًا لذاته كالمضطرِّ إلى صدوره عنه.

وكذلك المعتزلة الجهمية نزَّهوه عن صفات كماله لئلا يقعوا في تشبيه (٢)، ثمّ شبَّهوه بخلقه في أفعاله، وحكموا عليه بحسن ما يحسن منهم وقبح ما يقبح منهم، مع تشبيهه بها (٣) في سلبِ صفات كماله بالجمادات والناقصات. فإنَّ (٤) من فرَّ من إثبات السمعَ والبصرِ والكلام والحياة له (٥) لئلا يشبهه، فقد شبَّهه بالأحجارِ التي لَا تسمع ولا تبصر ولا تتكلَّم. ومن عطَّله عن صفة الكلام لما يلزم من تشبيه يزعمه (٦)، فقد شبَّهه بأصحاب الخرَس والآفات الممتنع منهم الكلام (٧).

ومن نزّهه عن نزوله كلَّ ليلة إلى سماءِ الدنيا، ودنوّه عشيةَ عرفة من أهل الموقف، ومجيئه يوم القيامة للقضاءِ بين عباده، فرارًا من تشبيهه بالأجسام، فقد شبّهه بالجماد الذي لا يتصرّف ولا يفعل ولا يجيء


(١) "ب": "إعادته"، تحريف.
(٢) "ف": "تشبيهه"، خلاف الأصل.
(٣) "بها" كذا في "ف" وغيرها، وحذفت في "ط". ومن هنا إلى "لئلا يشبهه" لم يظهر في مصورة الأصل، وهو جزء من السطر الأوَّل من لحق طويل كتب في الحاشية اليمنى من أسفلها إلى أعلاها.
(٤) "ك، ط": "وإن".
(٥) "له" لم ترد في "ف".
(٦) "ب، ط": "بزعمه".
(٧) "ب": "بأصحاب الدنيا الممتنع منهم الكلام بالآفات"!