للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرارًا (١) من التحيز والجهة، ثمَّ جعلوه سبحانه في كلِّ مكان مخالطًا للقاذورات والأماكن المكروهات وكلِّ مكان يأنف العاقلُ من مجاورته. ففرُّوا من تخصصه بالعلو، فعمَّموا به كلَّ مكان!

ولمَّا علمت الفرعونيةُ بطلانَ هذا المذهبِ فرُّوا إلى شرٍّ منه، فأخلَوا داخل العالم وخارجه منه البتة، وقالوا: ليس فوق العرشِ ربٌّ يُعبَد، ولا إلهٌ يُصلَّى له ويُسجَد، ولا تُرفَع إليه الأيدي، ولا يصعَد إليه الكلِم الطيِّب والعمل الصالح، ولا عُرِجَ بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إليه بل عرج به إلى عَدَمٍ صِرْف، ولا فرق بالنسبة إليه بين العرش وبين أسفل سافلين (٢). ومن المعلوم أنَّه ليس موجودًا في أسفل سافلين، فإذا لم يكن موجودًا فوق العرش فهذا إعدام له البتة وتعطيل لوجوده.

فلمَّا رأت الحلولية وإخوانهم من الاتحادية أشباه النصارى ما في ذلك من الإحالةِ قالوا: بل هو هذا الوجود الساري في الوجودات (٣)، الظاهرُ فيها على اختلاف صورها وأنواعها بحسبها (٤). فهو في الماءِ ماءٌ، وفي الخمر خمر، وفي النار نار، وهو حقيقة كل شيء وماهيته. فنزَّهوه عن استوائه على عرشه، وجعلوه وجودَ كلِّ موجود خسيس أو شريف، صغير أو كبير، طيِّب أو غيره، تعالى اللَّه عمَّا يقول أعداؤه علوًّا كبيرًا.


(١) "ك، ط": "فإنَّه فرار".
(٢) "ف": "السافلين" سهو.
(٣) كذا في الأصل بلا شك. وفي "ف" المنقولة عنه وغيرها: "الموجودات". وما ورد في الأصلِ صحيح لا غبار عليه. انظر: درء التعارض (٢/ ٣٤٧).
(٤) "ك، ط": "بحسنها"، تصحيف.