للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تعطيل في الطبيعة. وليست الطبيعة عندهم مربوبةً مقهورةً تحت قهر قاهر وتسخير مسخِّر يصرِّفها كيف يشاءُ، بل هي المتصرفة المدبِّرة. ولا كما يقول من نقص (١) علمُه ومعرفتُه بأسرار مخلوقاته وما أودعها من القوى والطبائع والغرائز، وبالأسباب التي ربط بها خلقَه وأمرَه وثوابَه وعقابَه؛ فجحد ذلك كلَّه، وردَّ الأمرَ إلى مشيئة محضة مجردة عن الحكمة والغاية وعن ارتباط العالم بعضه ببعض ارتباطَ الأسباب بمسبباتها، والقوى بمحالّها.

ثمَّ المحذورُ اللازمُ من إنكارِ الفاعل المختار الفعَّال (٢) لما يريد بقدرته ومشيئته فوق كل محذور، فإنَّ القائل بذلك يجعل هذه الشرورَ بأسرها لازمةً له لزومَ الظلِّ (٣) لحامله والحرارةِ للنار، لا يمكنه (٤) دفعُها ولا تخليص الخيرات منها (٥). فهم فرُّوا من إضافة الشر إلى خلقه ومشيئته واختياره، ثمَّ ألزموه إيَّاه، وأضافوه إليه إضافةً لا يمكن إزالتها، مع تعطيل قدرته ومشيئته وخلقه وعلمه بتفاصيل أحوال عباده؛ وفي ذلك تعطيل ربوبيته للعالمين. ففرُّوا من محذور بالتزام عدَّةِ محاذير، واستجاروا من الرَّمْضاءِ بالنَّارِ! (٦)

وهذا كما نزَّهه الجهمية عن استوائه على عرشه وعلوه على مخلوقاته


(١) "ب": "يقضي"، تحريف،
(٢) "ف": "والفعال"، سهو.
(٣) "ك، ب، ط": "الطفل"، تحريف.
(٤) "ك، ط": "ولا يمكنه".
(٥) "منها" أي من الشرور. وفي "ك، ط": "الحرارة" بدل "الخيرات"، تحريف.
(٦) انظر المثل في فصل المقال (٣٧٧).