للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصدرها الرجاءُ، ومطالعةُ الوعد والثواب، ومحبَّة الكرامة من اللَّه. وهؤلاء أبسط نفوسًا من أهل القسم الأوَّل، وأشرح صدورًا، وجانبُ الرجاءِ ومطالعةِ الرحمة والمنَّة أغلبُ عليهم؛ وإلا فكلُّ واحدٍ من الفريقين منيبٌ بالأمرين جميعًا، ولكن خوفُ هؤلاء اندرج في رجائهم، فأنابوا بالعبادات. ورجاءُ الأوَّلين اندرجَ تحت خوفهم، فكانت إنابتهم بترك المخالفات.

ومنهم المنيب إلى اللَّه بالتضرع، والدعاء، والافتقار إليه، والرغبة، وسؤال الحاجات كلها منه. ومصدر هذه الإنابة: شهودُ الفضل، والمنَّة، والغنى، والكرم، والقدرة؛ فأنزلوا به حوائجهم، وعلَّقوا به آمالهم. فإنابتهم إليه من هذه الجهة، مع قيامهم بالأمر والنهي، ولكنَّ إنابتهم الخاصَّة إنَّما من هذه الجهة (١). وأمَّا الأعمال فلم يُرزَقوا فيها الإنابةَ الخاصَّة.

ومنهم (٢) المنيب إليه عند الشدائد والضراء (٣) فقط إنابةَ اضطرار، لا إنابةَ اختيار، كحال الذين قال اللَّه فيهم (٤): {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء/ ٦٧]، وقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت/ ٦٥].

وهؤلاء كلهم قد تكون نفس أرواحهم ملتفتةً عن اللَّه سبحانه، معرضةً عنه إلى مألوف طبيعي نفساني قد حال بينها وبين إنابتها


(١) "مع قيامهم" إلى هنا ساقط من "ب".
(٢) "ط": "أملهم"، تحريف.
(٣) "والضراء" ساقط من "ب".
(٤) "ك، ط": "في حقهم".