للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذاتها (١) إلى معبودها وإلهها الحق، فهي ملتفتة إلى غيره. ولها إليه إنابةٌ ما بحسب إيمانها به، ومعرفتها له.

فأعلى أنواع الإنابات إنابة الروح بجملتها إليه بشدة (٢) المحبة الخالصة المفنية (٣) لهم عمَّا سوى محبوبهم ومعبودهم. وحين أنابت إليه أرواحهم لم يتخلف منهم شيءٌ عن الإنابة، فإنَّ الأعضاء كلها رعيتها، وملكها تبع للروح، فلمَّا أنابت الروح بذاتها إليه، إنابةَ محبٍّ صادقِ المحبة ليس فيه عرق ولا مفصل إلا وفيه حبٌّ ساكن لمحبوبه، أنابت جميعُ القوى والجوارح. فأناب القلبُ أيضًا بالمحبة والتضرع والذل والانكسار، وأناب العقلُ بانفعاله لأوامر المحبوب ونواهيه، وتسليمه لها، وتحكميه إيَّاها دون غيرها، فلم يبقَ فيه منازعة شبهة معترضة دونها.

وأنابت النفسُ بالانقياد والانخلاع عن العوائد النفسانية والأخلاق الذميمة والإرادات الفاسدة. وانقادت للأمر (٤) خاضعةً له، راغبةً (٥) فيه، مؤثرِةً إيَّاه على غيره، فلم يبقَ فيها منازعة شهوة تعترضها دون الأمر. وخرجت عن تدبيرها واختيارها تفويضًا إلى مولاها الحق (٦)، ورضًى بقضائه، وتسليمًا لحكمه. وقد قيل: إنَّ تدبيرَ العبد لنفسه هو


(١) "بذاتها" سقط من "ف" سهوًا.
(٢) "ك، ط": "لشدة".
(٣) "ك، ط": "المغنية"، تحريف.
(٤) "ط": "لأوامره".
(٥) "ك، ط": "وداعية"، تحريف. "ب": "خاضعة أو راغبة".
(٦) "الحق" ساقط من "ط".