للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هنا يُعلَم تنوُّعُ الشرائع واختلافُها مع رجوعها كلِّها إلى دينٍ واحد، بل تنوعُ الشريعة الواحدة (١)، مع وحدة المعبود ودينه. ومنه الحديث المشهور: "الأنبياءُ أولادُ عَلَّات، دينُهم واحد" (٢). فأولادُ العلَّات أن يكون الأبُ واحدًا والأُمَّهاتُ متعدِّدة، فشبَّه دينَ الأنبياءِ بالأب الواحد، وشرائعهم بالأُمَّهاتِ المتعددة. فإنَّها وإن تعددت فمرجعها كلها (٣) إلى أب واحد.

وإذا عُلِمَ هذا فمن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذي تعبَّد بسلوكه (٤) إلى اللَّه طريق العلم والتعليم، وقد وفَّرَ عليه زمانَه مبتغيًا به وجه اللَّه. فلا يزال كذلك عاكفًا على طريق العلم والتعليم حتَّى يصل من تلك (٥) الطريق إلى اللَّهِ، ويفتح له فيها الفتح الخاص، أو يموت في طريق طلبه، فيرجى له الوصول إلى مطلبه بعد مماته. قال تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء/ ١٠٠]. وقد حكي عن جماعة كثيرة ممَّن أدركه الأجل، وهو حريص طالب للقرآن، أنَّه رُئي بعد موته، وأخبرَ أنَّه في تكميل مطلوبه وأنَّه يتعلَّم في البرزخ؛ فإنَّ العبد يموت على ما عاش عليه.

ومن الناس من يكون سيّد عمله الذكر، وقد جعله زادَه لمعاده،


(١) "بل تنوع الشريعة الواحدة" ساقط من "ط". أمَّا في "ب" فقد سقط منها من "مع رجوعها" إلى "الواحدة".
(٢) زاد في "ب": "وأمهاتهم شتَّى". والحديث أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٤٤٢)، ومسلم في كتاب الفضائل (٢٣٦٥) عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
(٣) "ك، ط": "فمرجعها إلى أب واحد كلها".
(٤) "ط": "بعد سلوكه".
(٥) "ب": "ذلك".