للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجهه، فأبصر ثمّ عمي، وعرف ثمّ أنكر، وأقبل ثمّ أدبر، ودُعي فما أجاب، وفُتِح له فولّى ظهرَه الباب! قد ترك طريق مولاه، وأقبل بكلّيّته على هواه. فلو نال بعض حظوظه، وتلذّذ براحاته وشهواته (١)، فهو مقيّد القلب عن انطلاقه في فسيح التوحيد، وميادين الأُنس، ورياض المحبّة، وموائد القرب.

قد انحطّ بسبب إعراضه عن إلهه الحقّ إلى أسفل سافلين، وحصل في عداد الهالكين. فنارُ الحجاب تطّلِع كلّ وقت على فؤاده، وإعراضُ الكون عنه -إذ أعرض ربّه (٢) - حائلٌ بينه وبين مراده. قبرٌ (٣) يمشي على وجه الأرض، فروحُه (٤) في وحشةٍ في جسمه (٥)، وقلبُه في مَلالٍ (٦) من حياته. يتمنّى الموت ويشتهيه، ولو كان فيه ما فيه؛ حتّى إذا جاءَه الموت على تلك الحال -والعياذ باللَّه- فلا تسأل عمّا يحِلّ به من العذاب الأليم بسبب وقوع الحجاب بينه وبين مولاه الحقّ (٧)، وإحراقه بنار البعد عن قربه والإعراض عنه، وقد حيل بينه وبين سعادته وأمنيّته.


(١) في "ف" وغيرها: "شؤونه"، ولا معنى له في هذا السياق. ثُمَّ رسمه في الأصل: "شووته" بواوين ونقطتي التاء. وكلمة "الشؤون" في الإملاء القديم تكتب بواو واحدة. ولعلَّ الصواب ما أثبتنا استئناسًا باقتران الشهوات بالراحات قبل أسطر.
(٢) كذا في الأصل. وفي حاشية "ف": "عنه" مع علامة لم تتضح في الصورة. وفي غيرهما: "عن ربه".
(٣) تحرف "قبر" في "ك" إلى "فهو". وفي "ط": "فهو قبر".
(٤) "ك، ط": "وروحه".
(٥) "ط": "من جسمه". "ب": "وجسمه".
(٦) "ب، ك": "هلاك"، تحريف.
(٧) "الحق" ساقط من "ب".