للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُرِيبٍ (١٤)} [الشورى/ ١٤] كيف حذف الفاعلَ هنا، وبنى الفعلَ للمفعول، لما كان في معرض الذمِّ لهم ونفيِ العلمِ عنهم. ولمَّا كان في سياق ذكر نعمه وآلائه ومننه (١) عليهم قال: {وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (٥٣)} [غافر/ ٥٣]. ونظيره هذه (٢) الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر/ ٣٢].

ومن ذلك قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} [الأعراف/ ١٦٩] فإنَّه (٣) لمَّا كان الكلام في سياق ذمّهم على اتباعهم (٤) شهواتهم، وإيثارهم العرضَ الفاني على حظّهم من الآخرة، وتماديهم في ذلك؛ لم ينسب التوريثَ إليه، بل نسبه إلى المحلّ، فقال: "ورثوا الكتاب"، ولم يقل: "أورثناهم الكتاب".

وقد ذكرتُ نظير هذا في قوله: {آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة/ ١٢١] أنَّه للمدح، و {أُوتُوا الْكِتَابَ} (٥) إمَّا في سياق الذمِّ، وإمَّا منقسم، في كتاب "التحفة المكية" (٦).


(١) "ط": "منته".
(٢) "ط": "ونظير هذه".
(٣) "ب، ك، ط": "وأنَّه".
(٤) "ب": "اتباع".
(٥): "أورثوا"، "ك، ط": "أورثوا الكتاب"، تحريف.
(٦) سمَّاه في بدائع الفوائد (١٥٩٧) "التحفة المكية في بيان الملة الإبراهيمية". وقد تكلَّم المؤلف في هذا الموضوع في بدائع الفوائد (٧٢٥) أيضًا، ولكنَّه أحال هناك في بيان الفرق بين {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} و {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب} على كتاب "الفوائد المكية".